كان روسو قد انتقل إلى كوخ مدام دينيه في ٩ إبريل ١٧٥٦ مصطحباً غير الشرعية تريز لافاسير وأمها. وسعد بالعيش هناك حيناً، إذ أحب غناء الطيور وزقزقتها، وحفيف الأشجار وعبيرها، وهدوء الجولات المنفردة في الغابات. وكان في جولاته يحمل قلماً وكراسة ليقتنص الأفكار وهي تمرق منه.
ولكنه لم يخلق للراحة والسلام. ذلك أن حساسيته ضاعفت كل عناء، وخلقت مزيداً من المتاعب. لقد كانت تريز زوجة وفية ولكنها لا تستطيع أن تكون رفيقاً لذهنه، كتب في إميل يقول "ينبغي ألا يقترن الرجل الذي يفكر بزوجة لا تستطيع مشاطرته أفكاره"(١). ولم يكن بتريز المسكينة حاجة تذكر للأفكار، ولا كبير حاجة للكلمات المكتوبة. لقد بذلت له جسدها وروحها، واحتملت غضباته، وأغلب الظن أنها ردت عليها بمثلها، وسمحت له بأن يقترب من حافة الخيانة مع مدام دودتو، وكانت هي على قدر ما نعلم وفية في تواضع باستثناء حادث لا سند لنا فيه إلا في رواية بوزويل. ولكن أنى لهذه المرأة الساذجة أن تستجيب لذلك الاتساع والتنوع الجامح في عقل قدر له أن يزلزل نصف القارة؟ استمع إلى تفسير روسو:
"ماذا يظن القارئ إذا قلت له … إنني منذ اللحظة الأولى التي وقع عليها بصري حتى اللحظة التي أكتب الآن فيها لم أشعر قط بأقل حب لها، ولم أشتهِ قط أن أملكها … وأن الحاجات البدنية التي أشبعت بشخصها كانت بالنسبة لي