حاجات الجنس فقط، دون أن تنبعث إطلاقاً من شخصيتها؟ … لقد كانت أولى حاجاتي، وأعظمها، وأقواها، وأشرهها، كلها في قلبي: الحاجة إلى رباط (روحي) حميم، حميم ما أمكن. وكانت هذه الحاجة الفريدة بحيث لا يشبعها أوثق الاتصال البدني، ولم يكن بد لها من وجود روحين" (٢).
ولعل تريز كانت ترد على هذه الشكاوى بردها، لأن روسو كان قد كف الآن عن القيام بوظائفه الزوجية. ففي ١٧٥٤ قرر لطبيب جنيفي: "لقد تعرضت طويلاً لأقسى الآلام، لعلة حصر البول التي لا شفاء لي منها، والتي نجمت عن احتقان في مجرى البول يسد القناة سداً يستحيل معه فيها حتى قسطرات الدكتور داران المشهور" (٣). وزعم أنه أقلع عن كل اتصال جنسي مع تريز بعد ١٧٥٥ (٤) ثم أضاف "حتى ذلك التاريخ كنت صالحاً، ومن تلك اللحظة أصبحت طاهراً، أو على الأقل متيماً بالطهارة.
وجعل وجود حماته معهما هذا المثلث حاداً إلى درجة مؤلمة. وقد عالها هي وزوجته ما استطاع من دخله الذي جاءه من نسخ الموسيقى ومن بيع كتبه. غير أن مدام لافاسير كان لها بنات أخريات تحتجن إلى مهور ويعشن في ضنك مقيم. وجمع جريم وديدرو ودولباخ فيما بينهم للمرأتين معاشاً سنوياً قدره أربعمائة جنيه، وأخذوا عليهما العهد بكتمان الأمر على روسو مخافة جرح كبريائه. واختصت الأم نفسها وبناتها بمعظم المال (على رواية روسو)(٥)، واستدانت باسم تريز، ودفعت تريز الديون، وأخفت أمر المعاش طويلاً، وأخيراً كشف روسو سره، فاستشاط غضباً على أصدقائه لإذلاله على هذا النحو. وقد زادوه غضباً بالإلحاح عليه في أن ينتقل من الإيرمتاج قبل حلول الشتاء، فالكوخ (في رأيهم) لم يعد للجو البارد. وحتى لو احتملت زوجته برد الشتاء فيه فهل في طاقة الأم احتماله؟ وكان ديدرو قد كتب في تمثيلية "الابن الطبيعي"(٦): "إن الرجل الصالح يحيا في مجتمع؛ ولا يعيش وحيداً غير الطالح". وخيل لروسو أنه المقصود بهذا القول، وبدأ الآن نزاع طويل لم تكن المصالحات التي تخللته إلا مهادنات. وشعر روسو أن جريم وديدرو يحولان إغرائه بالعودة إلى مدينة فاسدة لأنهما يحسدانه على السلام الذي وجده بين