للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفصل الخامس

صقَلِّيَة

لقد تركنا إلى آخر المطاف، أو على الأصح إلى قبيل أخره، أغنى الأصقاع التي استعمرها اليونان. ونقول أغناها لأن الطبيعة وهبت صقلية ما حرمت منه بلاد اليونان في القارة الأوربية - ونعني بذلك تربتها التي لا يكاد ينفذ خصبها بفضل أمطارها وحمم بركانها - ولذلك كانت تنتج من القمح والحبوب الأخرى ما جعل أهلها يعتقدون أنها إن لم تكن مسقط رأس دمتر نفسها فلا أقل من أن تكون ملجأها المفضل المحبوب. لقد كان فيها بساتين وكروم، وآجام من أشجار الزيتون مثقلة كلها بالثمار؛ وكان فيها شهد لا يقل حلاوة ولذة عن جني همتوس Hymettus، وأزهار تتفتح طائفة بعد طائفة من بداية العام إلى نهايته. كان فيها سهول كلئة ترعى فيها الماشية والضأن، وتنمو على منحدرات تلالها أشجار لا يحصها عد، وسمك البحار المحيطة بها يتوالد وينمو أسرع مما يستطيع أهل صقلية أن يأكلوه.

وازدهرت في هذه الجزيرة ثقافة من ثقافات العصر الحجري الجديد في الألف الثالث من السنين التي قبل ميلاد المسيح، وأخرى من ثقافات العصر البرونزي في الألف الثاني منها؛ وحتى في الأيام المينوية كانت التجارة الخارجية تربط الجزيرة بكريت وبلاد اليونان (٥٧). وفي أواخر الألف الثاني من السنين تكسرت ثلاث أمواج من الهجرة على سواحل صقلية: وهي موجة السكانيين Sicans من أسبانيا، وموجة الإليميين Elymi من آسية الصغرى، وموجة الصقليين Sicels من إيطاليا (٥٨). واستقر الفينيقيون حوالي عام ٨٠٠ ق. م في متيا Motya وبنورموس Panormus (بالرمو) في غربي الجزيرة. ثم تدفق