للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الخامس

[الفقيه الديني الإمبراطوري]

لم يبق بعدئذ أمام جستنيان إلا أن يوحد العقيدة الدينية، وأن يجعل الكنيسة أداة متجانسة يتخذها وسيلة للحكم. وأكبر الظن أن جستنيان كان مخلصاً في عقيدته الدينية، وأن غرضه من توحيد الدين لم يكن سياسياً فحسب، فقد كان هو نفسه يعيش في قصره عيشة الراهب في ديره على قدر ما تسمح له بذلك ثيودورا؛ يصوم، ويصلي، وينكب على دراسة المؤلفات الدينية، ويناقش دقائق العقائد الدينية مع الفلاسفة، والبطارقة، والبابوات. وينقل بروكبيوس في هذا المعنى قول أحد المتآمرين على جستنيان دون أن يخفي موافقته التامة على ما ينقله: "إن من أوتي أقل قسط من عزة النفس لا يليق به أن يرفض العمل على قتل جستنيان؛ وخليق به ألا يداخله أقل خوف من رجل يجلس على الدوام في ردهة قصره من غير حرس ويقضي الجزء الأكبر من الليل يقلب صفحات الكتب المسيحية المقدسة هو وجماعة من القساوسة الطاعنين في السن" (٢٦). ويكاد يكون من أول الأعمال التي استعان فيها جستنيان بسلطته وهو نائب عن جستين أنه رتق الفتق الذي اتسع بين الكنيستين الشرقية والغربية على أثر نشر رسالة الإمبراطور زينون المعروفة باسم هنوتوكون Henotucon وقد استطاع جستنيان أن يكسب تأييد القساوسة الإيطاليين أتباع الدين الأصلي ضد القوط، وإخوانهم في الشرق ضد اليعقوبين، بقبوله وجهة نظر البابوية في المسائل التي كانت موضوع الخلاف.

وكانت هذه الشيعة الأخيرة التي تقول بأن ليس للمسيح إلا طبيعة واحدة قد كثر عددها في مصر حتى كاد يعادل عدد الكاثوليك. وبلغ من كثرتهم في