تكاد العلوم الطبيعية والفلسفة عند اليهود أن تنحصر كلها في بلاد الإسلام، ذلك أن المقيمين في البلاد المسيحية في العصور الوسطى كانوا بمعزل عن جيرانهم معرضين للاحتقار وإن كانوا متأثرين بأولئك الجيران، ولهذا لجأوا إلى التصوف والخرافات وأخذوا يمنون أنفسهم بمجيء مسيح ينقذهم مما هم فيه. وتلك كلها ظروف هي أسوأ ظروف يمكن أن ينشأ فيها العلم. غير أن الدين اليهودي كان يشجع على دراسة الفلك، لأن تحديد أيام الأعياد تحديداً دقيقاً إنما يعتمد على هذه الدراسة. وبفضل هذه الدراسة استبدل علماء الهيئة اليهود في بابل في القرن السادس التقديرات الفلكية بالأرصاد المباشرة للقبة السماوية. وقد حسبوا السنة على أساس الحركة الظاهرية للشمس، والشهور على أوجه القمر، وسموا الشهور بأسماء بابلية، وجعلوا بعض الشهور "كاملة" عدة كل منها ثلاثون يوماً، وبعضها "ناقصة" عدة كل منها تسعة وعشرون، ثم وفقوا بين التقويمين القمري والشمسي بإضافة شهر ثالث عشر إلى كل سنة ثالثة، وسادسة، وثامنة، وحادية عشرة، ورابعة عشرة، وسابعة عشرة، وتاسعة عشرة في كل دورة مؤلفة من تسعة عشر عاماً. وكان يهود في الشرق يؤرخون الحوادث على أساس التقويم السلوقي الذي يبدأ في عام ٣١٢ ق. م. أما في أوربا فقد اتخذوا في القرن التاسع "التاريخ اليهودي" الحال المعروف باسم "سنة العالم Anno Mundi والذي يبدأ بتاريخ خلق الدنيا كما يظنون في عام ٣٧٦١ ق. م. وبهذا كله أصبح التقويم اليهودي لا يقل سخفاً وقدسية عن تقويمنا نحن (١).