كانت الرسوم الحفرية في اليابان آخر مرحلة تقريباً من مراحل تلك المدنية اللطيفة الرقيقة التي اندك بناؤها تحت ضغط الصناعة الغربية، كما أن تشاؤم العقل الغربي ومرارة نظرته إلى العالم اليوم، قد يكونان آخر مظهر من مظاهر مدنية أراد لها القضاء أن تموت تحت وطأة الصناعة الشرقية؛ ولما كانت اليابان في عصورها الوسطى التي امتدت حتى عام ١٨٥٣ غير ذات أذى لنا، كان في مستطاعنا أن نقدر جمالها تقديراً فيه العطف والرعاية؛ وإنه لمن العسير علينا أن نرى في اليابان بعد أن أقامت المصانع التي تنافس مصانعنا، وأقيمت بها المدافع التي تتهدد سلامنا، من العسير علينا أن نرى في مثل هذه اليابان ذلك السحر الذي يفتننا حين ننظر إلى مختارات ماضيها الجميلة؛ وقد ننظر أحياناً نظرة عقلية هادئة، فندرك أن تلك اليابان القديمة شهدت كثيراً من العسف، وأن الفلاحين كانوا يعيشون في فقر، والعمال يقيمون على ضيم، وأن النساء كن إماء يُبَعْن وقت الشدة لمتعة من شاء أن يستمتع، وأن الحياة كانت رخيصة، وأنه في النهاية لم يكن ثمة قانون يحمي الرجل من سواد الشعب إلا سيف "السياف"؛ لكن الأمر في أوربا كان على هذه الحال نفسها: كان الرجال يصطنعون القسوة وكانت المرأة خاضعة للرجل، وكان الفلاحون يعيشون في فقر، والعمال يقيمون على ضيم، وكانت الحياة عسيرة، والفكر الحر مجلباً للخطر، ولم يكن في النهاية من قانون سوى إرادة سيد الإقطاع أو الملك.
وكما أننا قد نشعر بالحب لأوربا القديمة التي شهدت كل هذا، لأنها وسط