كان اجتماع التحرر الفكري والتحلل من القيود الخلقية هو الذي أوجد "رجل النهضة"؛ غير أنه لم تكن له من الخواص ما يجعله خليقاً بذلك اللقب. فقد كان في ذلك العصر كما كان في غيره من العصور أكثر من عشرة أنماط. وكل ما كان له من ميزة أنه كان ممتعاً طريفاً، ولعل سبب ذلك أنه كان من طراز شاذ غير مألوف. وكان فلاح النهضة هو الفلاح بعينه في جميع العهود إلى أن جعلت آلات الزراعة صناعة. وكان دهماء المدن الإيطالية في عام ١٥٠٠ كما كانوا في روما في عهد القياصرة أو في أيام مسوليني، ذلك أن المهنة هي التي تطبع الرجل بطابعها، كذلك كان رجل الأعمال في عصر النهضة شبيهاً بأمثاله في الماضي والحاضر. أما القس في ذلك العصر فكان يختلف عن قس العصور الوسطى أو قس هذه الأيام؛ فقد كان أقل إيماناً منهما بالدين وأكثر استمتاعاً بالدنيا، وكان في وسعه أن يعشق ويحارب. ثم حدث في هذه الأنماط تغير فجائي يستلفت النظر، أدى إلى انحراف في النوع وفي طراز العصر، ونشأ عنه الرجل الذي ترتسم صورته في ذهننا ٠حين نقول إن رجل النهضة طراز فذ في التاريخ، وإن كان ألقبيادس إذا رآه أحس بأنه طراز قديم ولد من جديد.
وكانت خصائص هذا الطراز تدور حول بؤرتين: الجرأة الفكرية والخلقية. كان حاد الذهن، يقظاً، متعدد الكفاءات، مستعداً لقبول كل مؤثر وكل فكرة، مرهف الحس بالجمال، حريصاً على نيل الشهرة. وكانت له روح ذات نزعة فردية جريئة عديمة المبالاة، تعمل على تنمية جميع المواهب الكامنة فيها، روح مزهوة فخورة تسخر من الذلة المسيحية،