واستعمر الدوريون أيضاً جزائر سكلديس، وروضوا طباعهم العسكرية بتدريج جوانب الجبال وتسويتها على مهل، حتى تمسك الأمطار الشحيحة فتروي نباتهم وكرومهم. وفي ميلوس ورثوا عن أسلافهم من أهل العصر البرنزي استخراج الحجر الزجاجي الطبيعي، وبفضلهم أثرت الجزيرة ثراء جعل الأثينيين يبذلون قصارى جهدهم لكسب معونتها في كفاحهم مع إسبارطة. وسنرى هذا في الفصول التالية من هذا الكتاب. وفي هذه الجزيرة عثر المنقبون على "أفرديتي ميلوس"(١) وهو الآن أشهر تمثال في العالم الغربي كله.
واتجه الدوريون شرقاً ثم جنوباً وفتحوا ثيرا Thera وكريت؛ ومن ثيرا أرسلوا جالية منهم استعمرت سيريني. واستقر عدد قليل منهم في قبرص، وكان فيها منذ القرن الحادي عشر جالية قليلة العدد من اليونان الأركاديين تنازع الأسر الفينيقية القديمة السيادة على الجزيرة. وكان من هؤلاء الملوك الصغار بجمليون الذي تروى عنه القصص أنه أعجب بتمثال من العاج لأفرديتي نحته هو بنفسه فشغفه حباً ورجا الآلهة أن تهبه الحياة، فلما أجابت رجاءه تزوج الفتاة التي صنعها بيده (١٨). والراجح أن كشف الحديد قد قلل طلب الناس لنحاس قبرص، فتخلفت الجزيرة عن ركب التقدم الاقتصادي اليوناني. وكان من أثر تقطيع الأهلين الأشجار ليصهروا بها فلذ النحاس، وتقطيع الفينيقيين إياها لصنع سفنهم، وتقطيع اليونان الكثير منها لإعداد الأرض للزراعة، كان من أثر هذا التقطيع أن استحالت الجزيرة
(١) أو فينوس (زهرة) ميلوكا، يعرفها الغربيون باسمها المشتق من اسم الإلهة الروماني واسم الجزيرة الإيطالي.