شيئاً فشيئاً إلى تلك الأرض المهجورة نصف المجدبة كما نراها اليوم. وكان فن الجزيرة، كما كان أهلها، في العصر اليوناني خليطاً من آثار الفن المصري والفينيقي واليوناني، ولم يكن له في يوم من الأيام طابع واحد خاص به (١).
ولم يكن الدوريين إلا أقلية من سكان قبرص اليونان؛ أما في رودس، وجزائر اسبرديس Sporades الجنوبية وما جاورها من أرض القارة الأوربية فقد أصبحوا هم الطبقة الحاكمة. وازدهرت رودس وعمها الرخاء في القرون التي بين هومر ومرثون، وإن لم يبلغ هذا الازدهار ذروته إلا في العصر الذي اصطبغت فيه تلك البلاد بالصبغة اليونانية. وأنشأ المستعمرون الدوريون على لسان في البحر بارز من قارة آسية مدينة نيدوس Cnidus؛ وبفضل موقعها هذا أضحت ثغراً صالحاً للتجارة الساحلية. وفي هذه المدينة ولد في مستقبل الأيام يودكسس Eudoxus الفلكي، وتسياس Ctesias المؤرخ (أو كاتب الخرافات)، وسستراتس Sostratus الذي بنى في مستقبل الأيام منارة الإسكندرية. وهنا أيضاً وجد بين أنقاض المعابد القديمة تمثال دمتر، الأم الحزينة المحفوظ في المتحف البريطاني.
وتقع أمام نيدوس جزيرة كوس موطن أبقراط، وقد كان مركزاً لعلم الطب اليوناني ينافس فيه نيدوس. وفيها ولد أبليز Apelles الرسام وثيكريتوس Theocritus الشاعر. وكان على بعد قليل منها وعلى الساحل نفسه مدينة هليكرنسس Halicarnassus مسقط رأس هيرودوت. وقد كانت في أيام انتشار الحضارة اليونانية مقر حكم موسولوس Mausolus الملك الكاري وحبيبته أرتميزيا. وقد تكون من هذه المدينة ومن كوس ونيدوس ومن مدائن رودس الشهيرة (لندس، وكمبرس، وبليس) المدائن الست الدُورية في آسية الصغرى، وهي التي قامت تنافس إلى حين مدائن أيونيا الاثنتي عشرة منافسة ضعيفة.
(١) انظر الصندوق رقم ١٣ من مجموعة العاديات القبرصية لسنولا Cesuola في المتحف الفني في نيويورك. وقد كشف علماء الآثار الإنجليز في عام ١٨٦٨ لوحة عليها كتابة بلغتين استطاعوا بفضلها أن يحلوا رموز الكتابة القبرصية، وتبين لهم وللعالم أنها لهجة من اللهجات اليونانية تُكتب برموز مقطعية. ولكن نتيجة هذا الكشف لم تضف شيئاً ذا قيمة لتاريخ العالم.