للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي يوم عيد الفصح من عام ٣٨٧ عَمّد أمبروز أوغسطين، وأليبيوس وأديوداتس، ووقفت مُونِكا إلى جانبهم أثناء التعميد فرحة مستبشرة، وصمم أربعتهم على أن يذهبوا إلى أفريقية ليعيشوا فيها معيشة الرهبان. ثم ماتت مونكا في أستيا Ostia وهي واثقة من أنها ستجتمع بهم في الجنة. ولما وصلوا إلى أفريقية باع أوغسطين ما خلفه له أبوه من ميراث صغير ووزع ثمنه على الفقراء، ثم ألف هو وأليبيوس وطائفة من الأصدقاء جماعة دينية وعاشوا معاً في تاجستى، فقراء، عزاباً، منقطعين للدرس والصلاة. وعلى هذا النحو وجدت الطريقة الأوغسطينية (٣٨٨)، وهي أقدم أخوة رهبانية في الغرب كله.

[٢ - العالم الديني]

توفى أديوداتس في عام ٣٨٩ وحزن عليه أوغسطين كأنه لم يزل وقتئذ يشك فيما ينتظره الذين يموتون وهم مؤمنون بالمسيح من سعادة أبدية. وكان عزاؤه الوحيد في هذا الحزن العميق هو العمل والكتابة. وفي عام ٣٩١ استعان به فليريوس أسقف هبو Hpoo (بونة الحالية) على إدارة أبرشيته، ورسمه قسيساً ليمكنه من القيام بهذا العمل. وكثيراً ما كان فليريوس يترك له منبر الخطابة، فكانت بلاغة أوغسطين تؤثر أبلغ الأثر في المصلين سواء فهموها أو لم يفهموها. وكانت هبو ثغراً يسكنه نحو أربعين ألفاً من السكان، وكان للكاثوليك فيه كنيسة. وكان بقية السكان من المانيين (١)، أو الوثنيين. وكان فرتوناتس Fartunatus الأسقف الماني صاحب السيطرة الدينية في هذه البلدة، ولهذا أنظم الدوناتيون إلى الكاثوليك في تحريض أوغسطين على أن يقابله في نقاش ديني، وقبل أوغسطين هذا الطلب، ولبث


(١) اتباع ماني وهو من أهل همذان (إكبانانا) عاش في القرن الثالث وكان يقول: إن كل شيء ينشأ من أصلين رئيسيين النور والظلمة أو الخير والشر. (المترجم).