إن إقحام الفكاهة الفجائي على النحو الذي وصفناه في الفصل السابق في موضوعات النحت اليونانية التي كانت من قبل موضوعات مقدسة الطابع، لمن الخصائص التي يمتاز بها الفن الهلنستي. ولقد احتفظ كل متحف من المتاحف بين ما أحتفظ به من آثار ذلك العصر بتمثال لإلهة الحقول يضحك، أو إله الرعاة يغني، أو إله الشراب يصخب، أو لغلام يستخدم فوارة يخرج منها الماء بطريقة يأباها الذوق والأدب. ولعل عودة الفن اليوناني إلى آسية قد أرجعت له ما كاد يفقده في عهد اليونان القديم، حين كان خاضهاً للدين والدولة، من اختلاف في الشكل، ومن شعور وتحمس قويين. لقد بدأ الفنانون وقتئذ يستمتعون بالطبيعة بعد أن كانوا من قبل يعبدونها. ولم يكن هذا لأن الاعتدال القديم قد زال: فها هو ذا تمثال شاب سبياكو Subiaco في متحف ترمي، وتمثال أدريدني النائمة (Adriadne) ، في متحف الفاتيكان، والفتاة الجالسة في قصر الكنسرفتوري كلها تواصل تقاليد بركستيليز وما فيها من رقة؛ وظل كثيرون من المثالين في أثينة طوال ذلك العصر يقومون النزعات "الاعتدالية" التي فشت في أيامهم بعودتهم متعمدين إلى أنماط القرن الرابع والقرن الخامس، بل إنهم من حين إلى حين يعودون إلى الوقار القديم وقار القرن السادس. ولكن روح العصر كانت روح التجارب، والفردية، والنزعة الطبيعية، والواقعية، مع وجود تيار قوي خفي نحو الخيال، والمثالية، والعاطفية، والتأثير المسرحي. وأخذ الفنانون يعنون بالإفادة من تقدم التشريح، ويكثرون من استخدام النماذج الحية في مناحتهم ومراسمهم؛ فكان المثالون ينحتون تماثيل لا ينظر إليها الإنسان من الأمام فحسب، بل ينظر إليها من جميع النواحي.