كذلك في بعض الأحيان، وذلك بأن تتسع عضويتها اتساعاً رمزياً للأرواح السماوية والرواح الأرضية، وللصاحين من الناس الذين عاشوا قبل المسيحية وفي أيام المسيحية (٩٥). وقد احتضنت المسيحية فيما بعد هذه الفكرة القائلة بأنها هي مدينة الله واتخذتها سلاحاً أدبياً استخدمته في شؤون السياسية، كما أنها استنتجت استنتاجاً منطقياً من فلسفة أوغسطين عقيدة الدولة الدينية تخضع فيها السلطات الدنيوية المستمدة من البشر إلى السلطة الروحية الممثلة في الكنيسة والمستمدة من الله. وقد قضى هذا الكتاب على الوثنية بوصفها فلسفة، كما بدأت به المسيحية من حيث هي فلسفة؛ وهو أول صياغة محددة جازمة لعقلية العصور الوسطى.
[٤ - البطريق]
وكان البطل المؤمن الشيخ لا يزال في منصبه حين هجم الوندال على شمال أفريقية، وقد بقي في صراعه الديني إلى آخر أيام حياته يقضي على البدع الجديدة. ويلاقي الناقدين. ويرد على المعترضين، ويحل المشاكل. وكان يبحث في جد هل تبقى نساء في دار الآخرة، وهل يبعث المشوهون، والمبتور الأعضاء، والنحاف والسمان في تلك الدار كما كانوا في حياتهم الدنيوية، وكيف في السبيل إلى عودة الذين أكلهم غيرهم في أيام القحط؟ (٩٦). ولكن الشيخوخة أدركته ولحقته معها إهانات محزنة، وسئل في ذلك الوقت عن صحته فأجاب:"أما مِن حيث الروح فأنا سليم … وأما من حيث الجسم فأنا طريح الفراش، لا أقوى على المشي أو الوقوف أو الجلوس إصابتي بالبواسير المتورمة … ومع ذلك فما دام هذا هو الذي ارتضاه لي الله، فماذا أقول غير أني في حالة؟ "(٩٧).
وكان قد بذل غاية جهده في أن يؤجل خروج بنيفاس على روما؛ واشترك في دعوته إلى الاحتفاظ بولائه لها. ولما تقدم جيسريك في زحفه استشاره كثيرون