للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثامن

[متنوعات أشتات]

إذا شئنا أن نشعر بحياة الفن في فلورنس أيام كوزيمو شعوراً حياً واضحاً فإن علينا ألا نقتصر إلى درس حياة اولئك العباقرة اللذين مررنا بهم، بل إن علينا فوق ذلك أن ندخل الشوارع الجانبية والأزقة الضيقة من شوارع الفن وأزقته، وأن نزور مئات الحوانيت ومشاغل الفنانين حيث كان صناع الفخار يشكلون الطين ويلونوه، أو صناع الزجاج ينفخون الزجاج أو يقطعونه إلى اشكال من الآنية الهشة الجميلة، أو الصياغ يشكلون المعادن النفيسة أو الحجارة الكريمة، ويصنعون منها الحلي، والميداليات، والأختام، وقطع النقود، وألف قطعة وقطعة من زينة الثياب أو الأشخاص، أو البيت أو الكنيسة: وعلينا أن نسمع إلى ضجيج الصناع المنكبين على أعمالهم يطرقون الحديد، أو النحاس، أو البرنز أو ينقشونها، ويصنعون منها أسلحة ودروعا، وأوعية وآنية وأدوات للعمل والصناعة. وعلينا فوق ذلك أن نلاحظ لنجارين صناع الأثاث وهم يصممون، أو ينحتون الخشب، أو يرصعونه أو يمسحونه، والحفارين ينقشون المعادن، وغيرهم من العمال ينقشون أثاث المعبد، أو يرسمون على الجلد، أو ينحتون العاج، أو يخرجون المنسوجات الرقيقة ليجعلوا بها الأجسام مغرية، أو يزينوا بها البيوت. وعلينا كذلك أن ندخل الأديرة، ونشاهد الرهبان يزينون المخطوطات في صبر وأناة، والراهبات الهادئات يطرزن الأقمشة تروي القصص وتزدان بها الجدران. وعلينا قبل هذا كله أن نتخيل أهل البلاد وقد بلغوا درجة من الرقي تكفي لفهم الجمال، ومن الحكمة ما يكفي لأن يغمروا أولئك الذين يهبون أنفسهم للفن باسباب الشرف والعيش، ويمدوهم بالحوافز القوية لمواصلة هذه الجهود.