بعد أن أوشك بيرك على استنفاد قوته في الحرب ضد شركة الهند الشرقية، ناصب الثورة الفرنسية العداء الشخصي، وخلال هذه الحملة الجديدة شارك بقسط كبير في الفلسفة السياسية.
وكان قد تنبأ بالثورة قبل نشوبها بعشرين عاماً؛ "بهذا الضيق والحيرة البالغين تنوء كل مالية فرنسا، وتفوق نفقتها مواردها في كل ناحية، بحيث لم يعد مناص لك إنسان … نظر في شئونها بأقل اهتمام أو علم، من أن يترقب في كل لحظة حدوث اضطراب هائل في النظام بأجمعه ليس من اليسير التكهن بآثاره على فرنسا بل على أوربا جميعها"(١٣٦). وفي ١٧٧٣ زار فرنسا، وفي فرساي رأى ماري أنطوانيت وكانت آنئذ زوجة لولي العهد، ولم ينس قط رؤياه تلك للجمال والغض والسعادة النضرة والكبرياء الشابة. وقد خلص إلى رأي طبيب في النبالة الفرنسية، وأطيب منه في الكهنوت الفرنسي. وصدمته دعوة جماعة الفلاسفة المناوئة للكثلكة، بل المناوئة للدين في حالات كثيرة، وحين عاد إلى إنجلترا حذر مواطنيه من الإلحاد لأنه "أبشع وأقسى لطمة يمكن أن توجه إلى المجتمع المتمدن"(١٣٧).
فلما أن اندلعت نيران الثورة أفزعه ذلك التهليل الذي لقيته من صديقه فوكس، الذي هتف لسقوط الباستيل باعتباره "أعظم حدث وقع في العالم و … أفضله (١٣٨). وكانت الأفكار الراديكالية المنبعثة من الحملات التي شنها ولكس وجمعية مؤيدي الحقوق قد انتشرت في إنجلترا ببطء. واقترح كاتب مغمور في ١٧٦١ الشيوعية دواء لكل الأدواء الاجتماعية إلا تكاثر السكان الذي خشي أن يبطل كل الجهود المبذولة للتخفيف من الفقر. (١٣٩) وتكونت في ١٧٨٨ جمعية إحياء ذكرى ثورة ١٦٨٨، وضمت بين أعضائها نفراً بارزاً من رجال الدين والنبلاء. فلما التئم شملها في ٤ نوفمبر ١٧٨٩، بلغ انفعالها وتأثرها بواعظ موحد يدعى رتشرد برابس حداً جعلها تبعث