للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثالِث

[أرستاخوس، وهبارخوس، وإرتسثنيز]

تدين علوم اليونان الرياضية بازدهارها والقوة الدافعة لها إلى مصر، ويدين الفلك اليوناني بازدهاره وقوته الدافعة إلى بابل. ذلك أن استيلاء الإسكندر على بلاد الشرق قد أدى إلى تبادل الأفكار وإلى اتساع ذلك التبادل الذي أعان منذ ثلاثة قرون قبل ذلك الوقت على ميلاد العلم اليوناني في أيونيا. وفي وسعنا أن نعزو إلى هذا الاتصال الجديد بمصر والشرق الأدنى ما نراه من تناقض. فقد بلغ العلم اليوناني ذروته في العصر الهلنستي، حين كان الأدب اليوناني والفن اليوناني آخذين في الاضمحلال.

ولمع اسم أرتساخوس الساموسي في الفترة الواقعة بين العهدين اللذين سيطرت فيهما على علم الفلك النظرية القائل بأن الأرض مركز الكون. وكان هذا العالم شديد التحمس لدراسة الفلك فلم يترك فرعاً منه إلا بحثه، ونبغ في هذه الفروع جميعاً (٢٢). ولسنا نجد في رسالته الوحيدة التي بقيت لنا حتى الآن والمسماة "في حجم الشمس والقمر وبعديهما (١) " أية إشارة إلى أن الشمس مركز العالم، بل إن هذه الرسالة تفترض عكس هذا، تفترض أن الشمس والقمر يتحركان في دائرتين حول الأرض. ولكن كتاب أركميديز "حاسب الرمل"


(١) قدر أرستاخوس حجم الشمس قدر حجم الأرض ثلاثمائة مرة (وهي في الحقيقة أكبر منها بأكثر من مليون مرة)، وتقديره هذا يبدو صغيراً، ولكنه تقدير لو عرفه أنكساغورس أو أبيقور لدهش منه. وقدر قطر القمر بثلث قطر الأرض، ولا يزيد خطأ هذا التقدير على ثمانية في المائة، كما قدر بعد الأرض عن الشمس بقدر بعدنا عن القمر عشرين مرة (وهو يكاد يبلغ قدره أربعمائة مرة). ويقول في إحدى نظرياته إنه "حين يحدث كسوف كلي للشمس تقع الشمس والقمر وقتئذ داخل مخروط واحد رأسه عند عيننا (٢٨) ".