للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثاني

[رومة الكادحة]

كان الرحالة القديم، الذي يطوف برومة في عهد الأسرة الفلافية، إذا سار صعداً في نهر التيبر من أستيا متجهاً إلى الشمال، يشاهد من بادئ الأمر سرعة التيار المحمل بالغرين الذي يأتي به من التلال والوديان ويلقيه في البحر. وهذه الحقيقة البسيطة هي منشأ مأساة التحات البطيئة، والصعاب التي تعترض التجارة الصاعدة في النهر والمنحدرة فيه، وانطمار فن التيبر من حين إلى حين، والفيضانات التي كانت في كل ربيع تقريباً تطغى على أرض رومة المستوية، وتقصر المساكن على الطبقات العليا التي يصل إليها ساكنوها بالقوارب، وتتلف الحبوب المخزونة في الأهراء على أرصفة الميناء؛ فإذا انحسرت المياه جرفت معها المنازل ودمرتها وأهلكت الحرث والنسل (٢).

فإذا اقترب الزائر من المدينة استرعى نظره الحي التجاري الذي كان يمتد مدى ألف قدم محاذياً ضفة النهر الشرقية، وكان يعج بضجيج العمال والحوانيت والأسواق والسلع الرائحة والغادية. وكان يقوم من ورائه التل الأفنتي Aventine الذي "استقر عليه" العامة الغضاب حين غادروا رومة مضربين في عامي ٤٩٤ و ٤٤٩ ق. م. وعلى ضفة النهر اليسرى في هذه البقعة كانت الحدائق التي أوصى بها قيصر للشعب، ومن ورائها الجانكيولم Janiculum. وكان بالقرب من الضفة الشرقية عند جسر إيماليوس الجميل سوق الماشية ومعبداه (القائمان إلى هذا الوقت) المقامان للحظ وإلهة الفجر. وإلى شمال هذه السوق على الضفة اليمنى يظهر تل بلتين وتل كبتلين المليئان بالقصور والهياكل. وقامت على الضفة اليسرى حدائق أجربا ومن