في كل جيل يظهر رجال ينكرون على الأطباء محافظتهم المشوبة بالحيطة، ويدعون الوصول إلى أنواع ممتازة من العلاج بوسائل خارجة على التقاليد الطبية، ويرمون رجال المهنة بالتخلف الوحشي، ويأتون بالأعاجيب حيناً، ثم يتبددون في ضباب الغلو والعزلة اليائسين. ومن الخير أن يظهر ذباب الخيل هذا بين الحين والحين لينبه الفكر الطبي، ومن الخير أن يكبح الطب جماح البدع المتعجلة في تعامله مع الحياة البشرية. ففي هذا الميدان، كما في ميداني السياسة والفلسفة، يتعاون الشباب المتطرف، والشيخوخة المحافظة، على غير إرادتهما، ليحدثا توازناً بين الاختلاف والوراثة، ذلك التوازن الذي تتخذه الطبيعة أداة للتطور.
كان فيليبوس ثيوفراستوس بومباستوس فون هوهنايم يتخذ له اسم أوريولوس رمزاً لنبوغه، واسم باراسيلسوس-وهو على الأرجح ترجمة لاتينية للقب هوهنايم (٧١). وكان أبوه فلهلم بومباست فون هوهنايم ابناً غير شرعي لنبيل سوابي حاد الطبع. ولما ترك فلهلم ليدبر شئونه بنفسه، مارس الطب بين فقراء القرويين قرب أينزيدلن في سويسرة، وتزوج من إلزا أوخسنر، وكانت بنت صاحب حانة وممرضة مساعدة، وقد أصيبت بعد قليل بحالة اكتئاب جنوني. وربما كان تضارب هذا النسب سبباً في ميل فيليب إلى عدم الاستقرار، وإلى إحساس ساخط بقدرات لم ترعها ببيئته رعاية كافية. وقد ولدفي ١٤٩٣ وشب وسط مرضى أبيه، وربما في ألفة في الحانات غير صالحة له، تلك الحانات التي ظلت حياتها الطليقة تستهويه على الدوام. وتزعم قصة غير مؤكدة أن الصبي خصاه خنزير بري أو جنود مخمورون.