جعل من نفسه "مهرجاً للناظرين"، ولكن في استطاعتنا أن نفهم حساسيته للنساء، والتوتر الذي فرضه زواج تعس على رجل أوتي هذه الأحاسيس المرهفة والصنعة الرقيقة. لقد قاسى كثيراً، وأعطى كثيراً، وكتب كتاباً من أغرب الكتب في تاريخ الأدب قاطبة.
[٣ - فاني بيرني]
وقد نافست امرأة النجاح الذي أحرزه ف يميدان القصص منافسة قصيرة الأمد. ولدت في ١٧٥٢ لأب يدعى تشارلز بيرني أصبح فيما بعد مؤرخاً للموسيقى. وقد ربيت على الموسيقى أكثر من الأدب، فكانت لا تعرف القراءة حتى بلغت الثامنة (١٦)، وما كان لأحد أن يحلم بأنها ستصبح كاتبة. وماتت أم فرانسس وهي في التاسعة. ولما كان أغلب الموسيقيين الذين يعزفون في لندن يختلفون إلى بيت أبيها ويجتذبون إليه شطراً كبيراً من صفوة المثقفين، فإن فاني اكتسبت تعليمها بالاستماع إلى الكلام والموسيقى. واكتمل نضجها ببطئ، وكانت خجولاً يعوزها الجمال، واستغرقت أربعين سنة لتعثر على زوج؛ وحين نشرت روايتها الشهيرة (يناير ١٧٧٨) كانت في الخامسة والعشرين، وبلغ من خشيتها أن تغضب الرواية أباها أنها أخفت نسبتها لها. وأحدثت الرواية ضجة، واسمها "إفلينا، أو دخول شابة إلى العالم" وأثار إغفال اسم المؤلف فضول الناس، وأذاعت الشائعات أن كاتبتها فتاة في السابعة عشرة. أما جونسن الذي أثنت عليه المقدمة فقد امتدح الرواية وزكاها للدكتور بيرني. وشكت المسز تريل من فرط قصر الرواية. فلما علمت بالسر ذاع في طول لندن وعرضها، وأصبحت فاني شخصية بارزة في المجتمع، وقرأ الجميع كتابها، وكان "أبي العطوف الصادق المحبة سعيداً جداً بسعادتي"(١٧).
وسر فنها هذا الوصف-الذي أعانته ذاكرة متلبثة وخيال حي-للصورة التي تراءى بها المجتمع اللندني لفتاة يتيمة في السابعة عشرة رباها قسيس ريفي لا يمت بشبه قريب ولا بعيد للورنس ستيرن. وما من شك في أن فاني هي أيضاً قد انتشت بتمثيل جاريك، وشعرت كما كتبت إفلينا للوصي