أدرك زعماء الإسلام، بعد فتح الشام ومصر، أن ليس في مقدورهم أن يدافعوا عن سواحل بلادهم من غير أسطول. وسرعان ما استولت سفنهم الحربية على قبرص ورودس وهزمت العمائر البيزنطية (٦٥٢، ٦٥٥)، ثم احتلوا قورسقة في عام ٨٠٩ وسردينية في عام ٨١٠ وإقريطش (كريت) في ٨٢٣، ومالطة في ٨٧٠، وبدأ في عام ٨٢٧ النزاع القديم بين بلاد اليونان وقرطاجنة مرة أخرى من أجل الاستيلاء على صقلية، فأرسل الأغالبة أمراء القيروان الحملة تلو الحملة وتقدموا إلى فتحها بقليل من النهب والدم المهراق؛ فسقطت بالرم في عام ٨٣١، ومسينا في ٨٤١، وسرقوسة في ٨٧٨، وتارمينا في ٩٠٢. ولما أن ورث الخلفاء الفاطميون ملك الأغالبة (٩٠٩) كان مما ورثوه من أملاكهم جزيرة صقلية؛ ولما نقل الفاطميون عاصمة ملكهم إلى القاهرة أعلن حسين الكلبي والي صقلية من قبلهم نفسه أميراً عليها، وكانت له عليها سيادة تكاد تكون كاملة، وأسس فيها الأسرة الكلبية، وفي عهدها بلغت الحضارة الإسلامية في صقلية ذروة مجدها.
وأصبح مركز المسلمين حصيناً منيعاً بعد أن صارت لهم السيادة على البحر المتوسط، فأخذوا يتطلعون إلى المدن القائمة في جنوبي إيطاليا. وكانت القرصنة وقتئذ مما يدخل في نطاق العادات الشريفة، وكان المسيحيون والمسلمون على السواء يشنون الغارات على سواحل البلاد الإسلامية والمسيحية ليقبضوا منها على "الكفرة" ويبيعونهم في أسواق الرقيق، ولهذا شرعت أساطيل المسلمين، ومعظمها