لسنا نستطيع أن نختم الحديث في تاريخ الهند على نحو ما نختمه في تاريخ مصر أو بابل أو أشور، لأن تاريخ الهند لا يزال في دور تكوينه، ومدنيتها لا تزال في طور إبداعها، لقد دبت الحياة من جديد في الهند من الوجهة الثقافية باتصالها بالغرب اتصالاً عقلياً، حتى لترى أدبها اليوم في خصوبة شتى الآداب في البلاد الأخرى، وأما من الوجهة الروحية، فهي ما تزال تكافح الخرافة والإسراف في بضاعتها اللاهوتية، ولكننا لا نستطيع التنبؤ بالسرعة التي تستطيع بها أحماض العلم الحديث أن تذيب آلهتهم التي تزيد عن حاجتهم، ومن الوجهة السياسية شهدت الهند في المائة سنة الأخيرة وحدة لم تشهد لها مثيلاً فيما مضى إلا نادراً، ويرجع ذلك إلى حد ما إلى توحيد الحكومة الأجنبية القائمة عليهم، وإلى حد ما إلى توحيد اللغة الأجنبية التي يتكلمونها، ولكنه يرجع فوق هذا وذلك إلى اتحادهم في الطموح إلى الحرية طموحاً صهرهم في وحدة متماسكة، ومن الوجهة الاقتصادية تنتقل الهند الآن من حياة العصور الوسطى إلى حياة الصناعة الحديثة بما في هذا الانتقال من حسنات وسيئات، وستنمو ثروتها وتزداد تجارتها، نمواً وازدياداً يؤهلانها بغير شك إلى أن تكون قبل نهاية هذا القرن بين دول العالم الكبرى.
وليس في وسعنا أن نزعم أن هذه المدنيَّة قد أفادت مدنيتنا إفادة مباشرة، كما استطعنا أن نتعقب بعض جوانب مدنيتنا إلى أصولها في مصر أو الشرق الأدنى، ذلك لأن مصر والشرق الأدنى كانا السَّلَفَيْن المباشرين لثقافتنا، بينما تدفن تاريخ الهند والصين واليابان في مجرى آخر، وهو آخذ لتوه اليوم في مس تيار