وأبدتها الأمة في كل أزمة إلا واحدة. فمن هذه العافية انبثقت الشهية المفرطة، وروح المرح، واللجوء إلى المومسات والمشاجرات في الحانات والمبارزات في الميادين، وعنف المناقشات البرلمانية، والقدرة على المعاناة في صمت، ومفاخرة كل إنجليزي بأنه بيته قلعته التي لا يسمح باقتحامها إلا بمقتضى القانون. وحين هزمت إنجلترا في هذا العصر، كان الذي هزمها هم الإنجليز الذي إزدرعوا في أمريكا ذلك الولع الإنجليزي بالحرية. وقد لاحظت مدام دوفان وضوح الفروق بين الأفراد في الإنجليز الذي التقت بهم، والذين لم تبصر معظمهم قط. قالت "كلهم نسيج وحده، ولا تجد منهم اثنين على شاكلة واحدة. أما نحن (الفرنسيين) فعلى النقيض منهم تماماً، فإذا رأيت فرداً من حاشيتنا فكأنك رأيت الكل"(٣٧). وقد وافق على رأيها هوراس ولبول فقال "من المؤدك أنه ما من بلد آخر ينجب كما تنجب إنجلترا هذا العدد الكبير من الشخصيات المنفردة المتميزة"(٣٨) ثم انظر إلى الرجال الذين رسمهم رينولدز: فهم لا ينفقون إلا في الاعتزاز بوطنهم وطبقتهم، وفي تورد وجوههم، وفي تصديهم الجسور للعالم. لقد كانت سلالتهم سلالة قوية حقاً.
[٣ - الإيمان والشك]
ظلت الجماهير الإنجليزية وفية لعقيدتها المسيحية في مختلف صورها. وكان أوسع الكتب قراءة بعد الكتاب المقدس "الأعياد والأصوام" تصنيف نلسن. وهو دليل للسنة الكنسية (٣٩). وقد طبع كتاب جونسون "صلوات وتأملات" الذي نشر بعد وفاته أربع طبعات في أربع سنين. وكان الدين في الطبقات العليا يحظى بالاحترام بوصفه وظيفة اجتماعية، ومعوناً على الأخلاق، وذراعاً للحكومة، ولكنه كان قد فقد تصديق الفرد له في دخيلة نفسه وضاع كل سلطان له على السياسة. وكان الملك يعين الأساقفة، أما القساوسة فيعينهم كبار ملاك الأرض ويجرون عليهم أرزاقهم. وكان هجوم الربوبيين على الدين قد هدأت فورته إلى حد مكن بيرك من أن يتساءل في ١٧٩٠ "من ممن ولدوا في السنين الأربعين الأخيرة