التجار المجلس المرة بعد المرة بتأجيل مشروعه، ولم يصدر المجلس القانون الذي حرم على أي سفينة أن تحمل عبيداً من أي ثغر في الممتلكات البريطانية بعد أول مايو ١٨٠٧، أو لأي مستعمرة بريطانية بعد أول مارس ١٨٠٨، إلا عام ١٨٠٧.
أما في ميدان الأخلاق السياسية فإن إنجلترا كانت الآن في الحضيض. فقد زكا نظام الدوائر الانتخابية العفنة، وعرض الدهاقنة من ولاة الهند السابقين لها أثماناً باهظة. وقد أسف فرانكلين أسفاً شديداً على نشوب الحرب الأمريكية لسبب غريب:"لم لم يتركوني امضي في طريقي؟ لو أنهم (أي المستعمرين) أعطوني ربع المال الذي أنفقوه على الحرب، لحصلنا على استقلالنا دون أن نريق قطرة دم. كنت أشتري البرلمان كله، وحكومة بريطانيا بأسرها"(٣٤). واستشرى الفساد في الكنيسة، والجامعات، والقضاء، والوظائف المدنية، والجيش والبحرية، ومجالس الملك. وكان النظام العسكري أشد صرامة منه في أي بلد أوربي آخر (٣٥) ربما باستثناء بروسيا، فإذا سرح المقاتلون لم يتخذ أي إجراء لتيسير انتقالهم إلى حياة نافعة ملتزمة بالقانون.
أما الخلاق الاجتماعية فقد تأرجحت بين الطيبة الأصيلة في الفرد الإنجليزي ووحشية الغوغاء المستهترة. وقد وقعت في الفترة من ١٧٦٥ إلى ١٧٨٠ تسع فتن كبرى، وكلها تقريباً في لندن، وسنرى مثلاً منها بعد قليل. وكانت الحشود تهرول للفرجة على مشهد الشنق كأنهم في يوم عيد، وقد يرشون الجلاد ليعنف في جلد سجين (٣٦). وكان قانون العقوبات أشد القوانين صرامة في أوربا. أما اللغة في جميع الطبقات تقريباً فكانت تنحو إلى العنف والسوقية. واشتبكت الصحف في معارك رهيبة من القدح والافتراء. وكان الكل تقريباً يقامرون، ولو في اليانصيب القومي، والكل تقريباً يشربون حتى يثملوا.
واتحدت عيوب الخلق الإنجليزي مع صفته الأساسية-وهي النشاط الشديد والعافية العارمة. وقد أنفقها الفلاح وعامل المصنع في العمل الشاق،