الآن أصبحت اللغة الفرنسية هي اللغة الثانية لكل متعلم ومثقف في أوربا، وواسطة الاتصال والتفاهم المعترف بها في الدبلوماسية والعالمية، وكان فردريك الأكبر يستخدمها بانتظام، اللهم إلا في التحدث إلى قواته. وألف جيبون أول كتاب له باللغة الفرنسية، واتجه تفكيره لبعض الوقت إلى أن يكتب بها مؤلفه المعروف "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها". وفي ١٧٨٤ أعلنت الأكاديمية الألمانية عن مسابقة ذات جائزة لمن يكتب أحسن موضوع يوضح أسباب التفوق والتبريز، ونشرت مطبوعاتها بالفرنسية. وكانت الأسباب الرئيسية لهذا التفوق هو المنزلة السياسية السامية لفرنسا في عهد لويس الرابع عشر ونشر القوات الفرنسية للغتهم في الأراضي الوطيئة وألمانيا والنمسا وأسبانيا، وعلو مكانة الأدب الفرنسي في القارة، بشكل لا نزاع فيه (وقد يكون لإنجلترا تحفظات على هذا)، وشعبية المجتمع الباريسي بوصفه مدرسة للدراسات الثقافية والنشاط الاجتماعي، تنهل منها النخبة الممتازة في أوربا، ثم الرغبة في إحلال لغة أحدث وأكثر مرونة محل اللغة اللاتينية في علاقات الأمم بعضها ببعض، وقيام الأكاديمية الفرنسية بتنقية اللغة وتقسيمها عن طريق قاموسها، ولم تصل قط لغة وطنية أخرى ما بلغته الفرنسية من دقة وتنوع، ومن قوة وسحر في العبارة، ورشاقة ووضوح في الأسلوب. وكان ثمة بعض الخسارة في هذا الانتصار: ذلك أن النثر الفرنسي ضحى بالصراحة البريئة عند مونتاني والحيوية الدافقة القاسية الصادرة عن القلب عند رابليه. وأصاب الشعر الفرنسي الوهن والضعف في سجن القواعد التي وضعها بوالو،