الأسرة هي المصدر الحقيقي للنظام الاجتماعي، ولئن كان هذا صحيحاً بالنسبة للغرب، فهو أصح بالنسبة للشرق، وجمع السلطة كلها في يد الأب في اليابان- كما هي الحال في سائر أنحاء الشرق- لا يدل على انحطاط في درجة الرقي الاجتماعي، بل يدل على إيثارهم للحكومة الأسرية على الحكومة السياسية؛ فليس للفرد من الأهمية في الشرق بمقدار ما له من الأهمية في الغرب، وذلك لأن الدولة في الشرق كانت أضعف منها في الغرب. ولذا تطلبت الدولة أن يكون إلى جانبها أسرة قوية النظام شديدة الطاعة لتقوم مقام السلطة المركزية التي تشمل بسلطانها شتى نواحي الحياة كبيرها وصغيرها على السواء؛ وقد فهمت الحرية في الشرق بالنسبة للأسرة لا بالنسبة للفرد، ذلك لأنه لما كانت الأسرة هي وحدة الإنتاج في عالم الاقتصاد كما كانت وحدة النظام الاجتماعي، كان النجاح أو الفشل، بل الحياة أو الموت، لا يخص الفرد الواحد بل يصيب الأسرة كلها؛ فكانت سلطة الوالد استبدادية، لكنها رغم استبدادها كانت تشوبها الرأفة التي لا يعقبها شيء من الضرر، وذلك بكونها تبدت للناس أمراً طبيعياً وضرورياً وإنسانياً؛ فقد كان من حقه أن يطرد من الأسرة زوج ابنته أو زوجة ابنه بينما يحتفظ بحفيدته في صحبته؛ بل كان من حقه أن يقتل ابنه أو ابنته إذا اتهم أحدهما بالدعارة أو غيرها من الجرائم الخطيرة، وأن يبيع أبناءه أو بناته في سوق النخاسة