للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النيران الداخلية، أو صاغها حجّارون صابرون في أشكال غريبة ملتوية الأجزاء، وهم يحتفرون البحيرات الصغيرة، ويشقون النهيرات الفوارة بمائها، ويصلون ضفافها بجسور تبدو للرائي كأنما جاءت نمواً طبيعياً في أشجار الغابات، وهم يدقون خلال هذه التكوينات المختلفة كلها مماش ينقشونها نقشاً دقيقاً، فتؤدي بك تارة إلى جديد يفجؤك، وطوراً إلى ركن هادي بليل الهواء.

وحيث تسعفهم فسحة الأرض وكثرة المال تراهم أميل إلى أن يجعلوا بيوتهم جزءاً من حدائقهم، منهم إلى أن يجعلوا حدائقهم جزءاً من بيوتهم، ومنازلهم هزيلة البنيان لكنها جميلة؛ فلئن جعلت الزلازل الأبنية العالية خطراً داهماً، فقد عرف النجار وقاطع الخشب كيف يربط ألواح الخشب وشرائحه وعمده فيجعل منها مسكناً تبلغ بساطته حد التقشف. لكن يبلغ جماله حد الكمال، بحيث تراه في فن عمارته نسيج وحده، إنك لا ترى في مثل هذا المسكن ستائر أو أرائك أو أسرة أو مناضد أو مقاعد، ولا ترى دلائل بارزة تدل على ثروة الساكن ورفاهيته، لا ترى متحفاً للصور ولا التماثيل ولا التحف؛ لكنك ترى في ركن من الحديقة غصناً مزهراً، وعلى الحائط صورة من الحرير أو الورق، أو ترى قطعة من الخط الزخرفي، وتجد على الأرض المغطاة بالحصير وسادة وضع أمامها كرسي مما تسند عليه الكتب للقراءة، وعلى أحد جانبيها خزانة كتب وعلى جانبها الآخر مسندة، وهم يخفون الحشايا والأغطية في خزانة خشبية، ليخرجوها وينشروها على الأرض إذا حان وقت النوم، ففي مثل هذه الأحياء المتواضعة، أو في كوخ الفلاح الهزيل كانت تسكن الأسرة اليابانية، وتبقى على الحياة وعلى المدنية في "الجزر المقدسة" خلال ما تعاور البلاد من زعازع الحروب والثورات ومن فساد سياسي وكفاح في سبيل الدين.