الياباني، لأنها تعبر عن خصيصة عميقة لجنس بشري بأسره، تعبر عنها تعبيراً كاملاً يتعذر أن تحذف منه شيئاً، كما تعبر عن نتيجة صادقة من نتائج الفلسفة، إنك لن تجد بين أمم العالم أمة أحبت الطبيعة بمثل ما أحبها اليابانيون ولن تجد الناس في أي جزء من أجزاء الأرض غير اليابان يتقلبون راضين تقلبات الطبيعة كما تتبدى في الأرض والسماء والبحر، ولن تجد بلداً آخر غير اليابان عني فيه الناس بزراعة البساتين، أو بتغذية النبات إبان نموه، أو خصوه برعايتهم في دورهم، إن اليابان لم تنتظر حتى يجيئها "روسو" أو "وردزورث" لينبئها أن الجبال شوامخ أو أن البحيرات قد يكون لها روعة الجمال، فتكاد لا تجد في اليابان منزلاً بغير أصيص للزهور، كما توشك ألا تجد قصيدة واحدة في الأدب الياباني تخلو من وصف مشاهد الطبيعة في ثنايا سطورها؛ فكما أن "أوسكار وايلد" كان من رأيه أن إنجلترا لا ينبغي لها أن تحارب فرنسا لأن الفرنسيين يكتبون نثراً بلغ في فنه حد الكمال، فكذلك نقول أن أمريكا يجب أن تنشد السلام إلى آخر جهدها مع أمة تتعطش للجمال في عاطفة جارفة تكاد تبلغ في حدتها قوة نهمها إزاء السلطان.
إن فن غرس الحدائق قد جاءها من الصين جنباً إلى جنب مع البوذية والشاي؛ لكن هاهنا ترى اليابانيين مرة أخرى يحولون بقوة إبداعهم ما قد تشربوه من غيرهم عن طريق المحاكاة، فتراهم يستملحون جمال الشيء إذا خلا من الاتساق. ويستجملون الأشكال المبتكرة التي لم يقتلها التكرار، فتجيء للرائي بمثابة المفاجأة، وهم يقصرون الأشجار والشجيرات بأن يحصروا جذورها في أُصُص، وتدفعهم في ذلك فكاهة شيطانية وصبٌّ عارم إلى أن يروضوا تلك الأشجار بحيث يصوغونها في أشكال يجوز لنا، إذا ما رأيناها تكوّن سور البستان أن نقول عنها إنها تمثل أشجار اليابان التي عصفت بها عواصف تلك البلاد فلوت أفنانها، وتراهم يبحثون في فوهات براكينهم وفي أوعر شطئانهم لعلهم واجدون صخوراً امتزجت بالمعادن بفعل