للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثالث

[الحياة العملية]

[١ - في الحقول]

فقر الزراع - الوسائل الاقتصادية -

المحصولات - الشاي - الطعام - صبر أهل القرية

لقد كان خصب التربة هو الدعامة التي يقوم عليها آخر الأمر كل ما حوته تلك اللغة من آداب، وكل ما اشتمل عليه التفكير الصيني من دقة وعمق، وكل ما انطوت عليه الحياة الصينية من نعيم وترف. وبعبارة أصح لقد كانت هذه الدعامة هي جهود الصينيين أنفسهم، لأن التربة الخصبة لا تخلق خلقاً بل تنشأ إنشاء. وما من شك في أن سكان الصين الأولين قد ظلوا قروناً طوالاً يكافحون الأدغال والغابات، والوحوش والحشرات، والجفاف والفيضان، وأملاح التربة والصقيع، حتى استطاعوا في آخر الأمر أن يحولوا تلك البراري الشاسعة الموحشة إلى حقول خصبة مثمرة، وكان لابد لهم أن يعودوا حيناً بعد حين إلى خوض هذه المعارك لكي يحتفظوا بما نالوا من نصر، فإذا ما استمروا يقطعون أشجار الغابات مائة عام مثلاً استحالت الأرض صحراء مجدبة (١)، وإذا أهملوا تقطيعها بضع سنين استحالت حراجاً وغابات كثيفة.

ولقد كان هذا الكفاح كفاحاً مريراُ ينطوي على أخطار جسيمة، وكان يزيد من مرارته أن البلاد كانت معرضة لهجمات البرابرة واستيلائهم على


(١) ذلك أن سفوح التلال والمنحدرات التي تقطع أشجارها لا تقوى على الاحتفاظ بما يسقط عليها من الأمطار فتجرف مياهها التربة العليا الخصيبة وتجدب وتخلو من العوائق التي تحول دون انسياب السيول على الوديان وإغراقها.