للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن خصائص الحضارة الصينية لتتمثل في هذه الظاهرة الفذة التي امتازت بها كتابتها على غيرها من البلاد: وحدتها بين مختلف اللهجات والتطورات، وتمسكها الشديد بالقديم واتصالها المنقطع النظير. ولقد كان هذا النظام الكتابي في حد ذاته من أجل الأعمال العقلية وأعلاها شأناً، فقد صنف العالم بأجمعه- عالم الجماد والنشاط والأوصاف- إلى بضع مئات من الرموز التي جعلت "أصولاً"، ثم أضاف إلى هذه الأصول نحو خمسمائة وألف من العلامات المميزة فأضحت تمثل في صورها الكاملة جميع ما في الحياة من أفكار وآداب. ومن واجبنا ألا نثق كل الثقة من أن الطرق المختلفة التي ندون بها نحن أفكارنا أرقى من هذه الطريقة البدائية، فقد كان ليبنتز في القرن السابع عشر وسير وُنَلْدُرْس في هذه الأيام يحلمان بوضع طريقة من العلامات الكتابية مستقلة كل الاستقلال عن لغات الكلام، بعيدة كل البعد عن الاختلافات القومية، وعن اختلافات الزمان والمكان، يستطاع بها من أجل هذا التعبير عن أفكار الشعوب المختلفة بطرق واحدة يفهمها الناس كلهم على السواء، ولكن لغة الرموز هذه التي كان يحلم بها هذان العالمان قائمة فعلاً في الشرق الأقصى توحد بين مائة من الأجيال وبين ربع سكان العالم. وإن النتيجة التي وصل إليها الشرقي لنتيجة منطقية رهيبة: إن سائر بلاد العالم يجب أن تتعلم طريقة لكتابة الصينية.