فأي دور إذن لعبه فقر البرولتاريا، أو فقر المدن عموماً، في إحداث الثورة؟ لقد كان في ظاهر سبباً مباشراً، فالعجز في الخبز وما ترتب عليه من شغب في باريس في ١٧٨٨ - ٨٩ رفع حمى الشعب إلى درجة كان فيها أفراده على استعداد للمغامرة بحياتهم في تحدي الجيش والهجوم على الباستيل على أن الجوع والغضب يستطيعان إعطاء القوة المحركة، ولكنهما لا يعطيان القيادة، ومن المحتمل أن جوادث الشغب كان يمكن تهدئتها بخفض سعر الخبز لو لك توجه القيادة من الطبقات الأعلى المتمردين للاستيلاء على الباستيل والزحف على فرساي. ثم أن الجماهير لم يكن لديها إلى ذلك الحين أي فكرة عن قلب الحكومة، أو خلع الملك، أو إقامة جمهورية. وكانت طبقة البرولتاريا تتحدث عن المساواة الطبيعية حديثاً يملؤه الأمل، ولكنها لم تحلم بالاستيلاء على الدولة. لقد طالبت بتنظيم الدولة للاقتصاد-بينما عارضته البورجوازية-أو على الأقل بتحديد سعر الخبز، ولكن هذا كان عودة للنظام القديم، لا تقدماً نحو اقتصاد تهيمن عليه الطبقة العاملة. صحيح. أنه حين جد الجد كان رعاع باريس المدافعون بالجوع والمحرضون من الخطباء والعملاء هم الذين استولوا على الباستيل ومنعوا بذلك الملك من استخدام الجيش ضد الجمعية الوطنية، ولكن حين أعادت الجمعية تنظيم فرنسا كان ذلك بإرشاد البورجوازيين وتحقيقاً لأهدافهم.
[٤ - البورجوازية والثورة]
كان الملمح البارز للحياة الاقتصادية الفرنسية في القرن الثامن عشر هو صعود طبقة التجار ورجال الأعمال. وكانت قد بدأت تزكو أيام لويس الرابع عشر وكولبير، وأفادت أعظم فائدة من الطرق والقنوات الممتازة التي يسرت التجارة، وأثرت على الاتجار مع المستعمرات، وارتفعت إلى مكان مرموق في الوظائف الإدارية (حتى ١٧٨١)، وهيمنت على مالية الدولة.
ولكن أزعجتها إلى حد التمرد تلك المكوس التي فرضت لصالح