هجمات الثيران الهائجة. وكثيراً ما يصور مراحل هذا الصراع الوحشي الشديد، يصور الصائد الجريء يقتنص الثور بأن يقفز فوق عنقه وينزل ساقيه على جانبيه وهو يشرب الماء من إحدى البرك؛ ويصور المروض المحترف وهو يلوي رأس الثور حتى يتعلم شيئاً من الخضوع لحيل المدرب البغيضة؛ ثم المجتلد الماهر النحيل الجسم الخفيف الحركة وهو يلتقي بالثور في الحلبة، ويمسك بقرنيه، ويقفز في الهواء، ينقلب فوق ظهر الحيوان، ثم ينزل برجليه على الأرض بين ذراعي فتاة تضفي على المنظر من جمالها ورشاقتها. ولقد اصبح هذا الصراع حتى في كريت المينوية من الألعاب القديمة التي طال بها العهد؛ فقد عثر في كيدوشيا على أسطوانة من الصلصال يعزى تاريخها إلى عام ٢٤٠٠ ق. م، وتمثل صراع ثور لا يقل في شدته أو خطورته عما هو مصور في المظلمات السالفة الذكر. وإذا ما قلبنا الفكر في هذه اللعبة الدالة على شجاعة الإنسان وتعطشه لسفك الدماء، والتي لا تزال منتشرة في هذه الأيام، وعرفنا أنها قديمة قدم الحضارة نفسها، وإذا ما فعلنا ذلك أدركت عقولنا المولعة بتبسيط الأمور والاستهانة بها- وإن كان هذا الإدراك لا يدوم إلا لحظات- ما في الطبيعة البشرية من تناقض وتعقيد.
[٣ - الدين]
بما كان الكريتي وحشياً قاسياً، ولكنه كان بلا شك متدنياً يتركب من مزيج بشري كامل من الفيتشية والخرافة من جهة والمثالية وتعظيم الأرباب من جهة أخرى؛ فهو يعبد الجبال والمغارات، والعدد ٣، والأشجار، والأعمدة، والشمس والقمر، والمعز والأفاعي، واليمام والثيران، وقلما يسلم شيء من عبادته. والهواء في اعتقاده مملوء بالأرواح الطيب منها والخبيث، وتنتقل منه إلى بلاد اليونان طائفة شفافة من جن الحراج منها الذكور ومنها الإناث.