للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو لا يعبد عضو التذكير عبادة مباشرة؛ ولكنه يعظم في رهبة وخشوع ما في الثور والأفعى من قوة حيوية منتجة. وإذا كان معدل الوفيات بين الكريتيين كبيراً فإنه يعظم الإخصاب، وحين يسمو به تفكيره إلى إيجاد إله بشري يصور لنفسه إلهته أماً ذات ثديين كريمين وجسم فارع الطول، وأفاع تلتف حول ذراعيها وثدييها، وتتلوى في شعرها أو تتدلى في أنفة وكبرياء من رأسها. وهو يرى في هذه الإلهة الأم الحقيقة الأساسية من حقائق الطبيعة وهي أن الموت عدو الإنسان الألد تغلبه قدرة الأم الخفية العجيبة على التناسل والتكاثر، وهو لذلك يؤله هذه القدرة. فالإلهة الأم تمثل له مصدر الحياة بأجمعها في النبات والحيوان والإنسان. وإذا ما أحاط صورتها بالحيوان والنبات فما ذلك إلا لأن الحيوان والنبات يوجدان من خصوبتها الخلاقة، وهما لذلك يرمزان لها ولما ينبعث منها. وهي تظهر في بعض الأحيان تضم بين ذراعيها طفلاً قدسياً هو فلكانوس ولدته في مغارة جبلية. وإذا ما تأملنا هذه الصورة القديمة رأينا من خلالها إيزيس وحورس، وإشتار وتموز، وسيبيل وأتيس، وأفرديتي وأدنيس، وأحسسنا بوحدة ثقافات ما قبل التاريخ؛ واتصال الآراء والرموز الدينية في عالم البحر الأبيض المتوسط بعضها ببعض.

وزيوس الكريتيين، وهو الاسم الذي يطلقه اليونان على فلكانوس، أقل منزلة من أمه في حب الكريتيين، ولكنه يزداد أهمية على مر الأيام. ففيه يتمثل المطر المخصب، والرطوبة التي يرى هذا الدين كما يرى طاليس أنه أساس كل شيء. وهو يموت ثم يشاهد الناس ضريحه جيلاً بعد جيل على جبل يوكتاس Jouktas، ولا تزال صفحة وجهه الفخمة الجليلة تظهر للسائح القوي الخيال؛ ثم يقوم من قبره ليكون رمزاً للنبات المجدد للحياة، ويحتفل القسيسون ببعثه المجيد بالرقص والضرب بالدروع، وهو بوصفه إلها للخصب يتصور أحياناً كأنه حل في جسم الثور المقدس؛ وهو بهذه الصفة