وإنهن يفقدن الحقيقة والواقع، ثم في بعض الفترات، تبعثهن بضع كلمات قليلة إلى الحياة، من ذلك أن أوفيليا، حين يبلغها هملت أنه لم يكن يحبها في يوم من الأيام، تجيبه دون اتهام مضاد، ولكن في بساطة حزينة مؤثرة:"كنت أنا المخدوعة أكثر". إن الملاحظة والإحساس والتشخيص وتفتح الحواس المدهش، ونفاد البصيرة والانتقاء الرشيق للتفاصيل الهامة المميزة، والذاكرة المتماسكة- كل هذه تأتي جميعها معاً لتعمر المدينة الحية بالأموات أو الأنفس الخيالية، أو في مسرحية بعد أخرى تنمو هذه الشخصيات إلى الحقيقة والواقع والتعقيد والعمق، حتى ينضج الشاعر في هملت ولير إلى فيلسوف. وتصبح مسرحياته أدوات متألقة للفكر.
[٥ - فلسفة شكسبير]
"ألك أية فلسفة، أيها الراعي (٥٦)؟ " هكذا يسأل تتشستون Toutchstone الراعي كورين (في رواية "على هواك") ونحن بدورنا نوجه هذا السؤال إلى شكسبير. ويجيب أحد منافسيه المعترف بهم على السؤال بالنفي (٥٧). وإنا لنقبل هذا الحكم، كما قصده برنادشو- ليس لدى شكسبير ميتاً فيزيقاً (فيما وراء الطبيعة) ولا فكرة عن الطبيعة النهائية للحقيقة، ولا نظرية عن الإله. وكان شكسبير أعقل من أن يذهب إلى أن أي مخلوق يستطيع تحليل خالقه، أو أنه حتى عقله المرتكز على قطعة لحم، يمكنه أن يدرك الكل. أي هوراشيو، إن في السماء والأرض لأشياء أكثر مما تحلم به في فلسفتك (٥٨)). وإذا راوده خاطر احتفظ به لنفسه، ومن ثم أثبت به أنه فيلسوف. وهو يتحدث دون اكترث أو إجلال للفلاسفة المشهود لهم، ويشك في أن واحداً منهم احتمل يوماً ألماً في أسنانه صابراً متجلداً (٥٩). وهو يسخر من المنطق، ويؤثر عليه نور الخيال، وهو لا يعرض أن يفك طلاسم الحياة أو العقل، ولكنه يشعر بها ويبصر بها بقوة تزري بإفتراضاتنا أو تعمقها. وإنه ليقف بعيداً، ويرقب أصحاب النظريات يدمر بعضهم بعضاً، أو يتفسخون ويتحللون في غمرات الزمان. وإنه ليخفي نفسه في شخصياته، وليس من اليسير أن تعثر عليه، ويجدر بنا أن نحذر نسبة أي رأي إليه، إلا إذا عبر عنه في شيء من التوكيد اثنان على الأقل من مخلوقاته (شخوص مسرحياته).