به مسرح شكسبير، وهذا امتياز آخر منح لشاغلي المقاعد الرخيصة، ومحاولة لمواجهة مدرسة "القتل والذبح" عند المسرحيين في عهد إليزابث وجيمس الأول.
ولما أخذ شكسبير بأسباب النمو والتطور، عوض عن العنف بالدعابة والمرح، وتعلم الفن الشاق، فن تكثيف المأساة بالترويح الفكاهي. وكانت الروايات الهزلية (الملهيات) القديمة ذكاء وبراعة ودعابة غير مجسمة، والروايات التاريخية القديمة ثقيلة مملة حيث كان يعوزها المرح والدعابة، وفي مسرحية هنري الرابع تعاقبت المأساة والملهاة على التوالي، ولكنهما لم تتكاملا تكاملاً تاماً. ولكن التكامل تحقق في هملت، وتبدو الدعابة فيبعض الأحيان بذيئة أكثر مما ينبغي، ولا بد أن سوفوكليس وراسين كانا يشمئزان من النكات التي تدور حول غازات بطن الإنسان (٥٤) أو تبول الخيل (٥٥). وإن نكتة جنسية لهي أكثر استساغة لدى الذوق الحديث. ودعابة شكسبير، بصفة عامة، بهيجة ودية، بعكس البغض الوحشي للجنس البشري عند سوفيت، فقد أحس شكسبير بأن العالم يكون أفضل بوجود مهرج أو اثنين، واحتمل المهرجين في صبر وأناة، وشارك الرب رأيه في أنه ليس ثمة فرق كبير بينهم وبين الفلاسفة الذين يفسرون العالم.
وإن أعظم مهرجيه لينافس هملت، وهو أسمى وأروع ما أنجزه شكسبير، في خلق أشخاص الرواية- وهذا أشق اختبار يواجهه المؤلف المسرحي. إن ريتشارد الثاني وريتشارد الثالث، وهو تسبير، رولزي وجونت وجلوستر وبروتس وأنطوني ليبعثون من زوايا النسيان في التاريخ إلى حياة ثانية. وليس هناك في المسرحية اليونانية، ولا حتى في بلزاك، أشخاص خياليون أسبغ عليهم مثل هذه الشخصية المتماسكة والقوة والحيوية. وكانت أصدق الشخصيات التي خلقها هي تلك التي تبدو فقط متناقضة، بسبب تعقيدها- فالملك لير قاس ثم رقيق رؤوف، وهملت دائم التفكير متهور، شجاع. والشخصيات في بعض الأحيان بسيطة إلى حد كبير-ريتشارد الثالث مجرد خسة ونذالة، وتيمون مجرد شك وسخرية وتهكم، وياجو مجرد كراهية. وتبدو بعض النساء في مسرحيات شكسبير، وكأنهن اقتطعن من نفس العجينة-بياتريس روزالند، كورديليا وديدمونة، ميراندا وهرميون-