من الأقوال المأثورة في إنجلترا أن يتوسط ملك ضعيف بين كل ملكين قويين، ولكن الحقيقة أن الملوك الضعاف الذين يتوسطون ملكين قويين لا حد لعددهم. ومصداقاً لهذا نقول إنه لما مات وليم الفاتح استولى ابنه روبرت على نورمندي وجعلها مملكة مستقلة، وتوج ابنه الأصغر منه وليم روفس (الأحمر ١٠٨٧ - ١١٠٠) ملكاً على إنجلترا بعد أن قطع على نفسه عهداً بأن يسلك مسلكاً حسناً مع لانفكرانك متوجه ووزيره. وحكم هذا الملك حكماً استبدادياً حتى عام ١٠٩٣، ثم مرض ووعد بأن يكون حسن السلوك، فلما شفي من مرضه، عاد إلى استبداده وظل كذلك حتى اغتالته يد مجهولة في أثناء صيده. وظل الرجل التقي أنسلم الذي أصبح بعد لانفرانك كبير أساقفة كنتربري يقاوم مقاومة طويلة، أعيد بسببها إلى فرنسا.
ودعا ابن ثالث من أبناء وليم الفاتح يدعى هنري (١١٠٠ - ١١٣٥) أنسلم إلى العودة، فطلب المطران- الفيلسوف أن يمتنع الملك عن اختيار الأساقفة، فلما رفض الملك هذا الطلب نشب بينهما نزاع طويل اتفق بعده على أن تختار جمعيات رجال الكنائس والرهبان بحضور الملك نفسه الأساقفة الإنجليز ورؤساء الأديرة، وأن يقدموا له مراسم الولاء بوصفه مصدر أملاكهم وسلطاتهم الإقطاعية وكان هنري يحب المال ويكره التبذير؛ ولهذا فرض الضرائب الفادحة ولكنه راعى جانب الاقتصاد والعدالة في حكمه؛ وحافظ على السلم والنظام في إنجلترا، عدا معركة واحدة- في تنشبريه عام ١١٠٦ - استرد فيها نورمندي إلى التاج البريطاني. وأمر النبلاء أن "يضبطوا أنفسهم في معاملاتهم لزوجاتهم وأبنائهم وبنات رجالهم"(٣٣). وكان له هو أبناء غير شرعيين وبنات غير شرعيات من عشيقاته المتعددات (٣٤)، ولكنه أوتى من الكياسة والحكمة