لم يبق من الآثار ما يدل على ثراء ملوك ساسان ومجدهم إلا بقايا الفن الساساني، ولكن هذه البقايا تكفي وحدها لأن تزيد إعجاباً بقدرة الفن الفارسي على البقاء من عهد دارا الأكبر واصطخر إلى عهد الشاه عباس وأصفهان، وبقدرته على التكيف لمواءمة ما يحيط به من الظروف.
فأما ما بقي من العمارة الساسانية فكله غير ديني، فقد اختفت من الوجود هياكل النار المقدسة، ولم يبقى قائماً إلا القصور الملكية، وحتى هذه ليست إلا "هياكل ضخمة"(٤٩) قد تجردت من زمن طويل مما كانت تزدان به واجهاتها من حلي مصنوعة من الجص. وأقدم هذه الخربات كلها ما يسمونه قصر أردشير الأول في فيروز آباد القائمة إلى الجنوب الشرقي من شيراز. ولا يعرف أحد تاريخ بنائه، ويختلف ظن المؤرخين بين ٣٤٠ ق. م، ٤٦٠ م ولا تزال قبة هذا البناء الضخمة بعد أن مضى عليها خمسة عشر قرناً تقلب عليها في خلالها الحر والبرد، والسرقات والحروب، لا تزال هذه القبة باقية إلى الآن تغطي بهواً فسيحاً، تعلو في الجو مائة قدم؛ ويبلغ عرضها خمساً وخمسين قدماً. وثمة مدخل ذو قوس يبلغ ارتفاعه تسعاً وثمانين قدماً، وعرضه اثنتين وأربعين، يقسم الموجهة التي طولها ١٧٠ قدماً قسمين، وقد تهدمت هذه الواجهة في هذه الأيام، وكانت أقواس صغيرة تؤدي من قطري البهو المستطيل الأوسط إلى قبة دائرية. وقد ابتدعت طريقة فذة ظريفة لحمل ضغط القبة، فأقيم جدار مزدوج أجوف ربط إطاره الداخل والخارجي بعقد دائري وبذلك زاد الجدار الخارجي من قوة الجدار الداخلي، ثم زيدت قوة الجدار المزدوج مرة أخرى بدعامات من الخارج مكونة