للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في قصره بدستجرد (على بعد نحو ستين ميلاً من طيسفون)؛ وقضى وقته بين الفن والحب. وجمع المهندسين، والمثالين، والمصورين، ليجعل عاصمته الجديدة أعظم شأناً من عاصمته القديمة، ولينحت صوراً مشابهة لشيرين أجمل زوجاته الثلاثة آلاف وأحبهن إلى قلبه. وشكا الفرس قائلين إنها امرأة مسيحية، وادعى بعضهم أنها قد أدخلت الملك في دينها، وسواء كان هذا أو لم يكن فقد سمح لها والحرب الدينية دائرة رحاها أن تنشئ كثيراً من الكنائس والأديرة. ولكن بلاد الفرس التي عمها الرخاء لكثرة ما أفاء عليها من الأسلاب والأرقاء، كان في وسعها أن تغفر لمليكها لهوه وترفه، وفنه، وتسامحه الديني، وترحب بفتوحه وترى فيها النصر النهائي على بلاد اليونان والرومان، ولأهورا مزدا على المسيح. لقد جوزي الإسكندر أخيراً على فعلته، وانتقم الفرس من اليونان لهزائمهم في مرثون، وسلاميس، وبلاتية، وأربيلا.

ولم يكن باقياً للإمبراطورية البيزنطية إلا عدد قليل من الثغور الأسيوية وقليل من أرض إيطاليا، وأفريقية، وبلاد اليونان، وأسطول لم يهزم بعد، وعاصمة محاصرة جن جنونها من الرعب واليأس. ولبث هرقل عشر سنين ينشئ جيشاً جديداً ودولة جديدة من أنقاض الجيش القديم والدولة القديمة. فلما تم له ذلك لم يحاول عبور البسفور إلى خلقيدون بل تجنب ذلك العمل الكثير النفقة والمشقة، وأبحر بأسطوله إلى البحر الأسود ثم اخترق أرمينية وهاجم بلاد الفرس من خلفها، ودمر كلورمية Clorumia مسقط رأس زرادشت، كما ضرب كسرى من قبل مدينة أورشليم، وأطفأ نارها المقدسة الخالدة (٦٢٤). وسير إليه كسرى الجيوش يتلو بعضها بعضاً، ولكن هرقل هزمها جميعاً، ولما تقدم اليونان فر كسرى إلى طيسفون. وآلم قواده ما كان يوجهه إليهم من إهانات فانضموا إلى النبلاء وخلعوه، ثم سجنوه ولم يطعموه إلا الخبز القفار والماء، وذبحوا ثمانية عشر من أبنائه أمام عينيه، وانتهى أمره بأن قتله ابن من أبنائه يدعى شيروى (٦٢٨).