لقد ظهر النشاط الثقافي في عصر بركليز في ثلاثة أشكال رئيسية - هي الفن والتمثيل والفلسفة. وكان الدين الملهم لأولها، وميدان القتال الملهم لثانيها، والتضحية هي الملهمة لثالثها. وإذ كان تنظيم الجماعة الدينية يتطلب وجود عقيدة مشتركة مستقرة، لأن كل دين لا بد أن يتعارض عاجلاً أو آجلاً مع تيار التفكير الدنيوي السائد المتبدل الذي نطلق عليه بحق اسم تقدم المعرفة. ولم يكن هذا التعارض في أثينة ظاهراً للعين على الدوام، ولم يؤثر في جمهرة الشعب تأثيراً مباشراً، فقد كان العلماء والفلاسفة يواصلون عملهم دون أن يهاجموا العقائد الدينية للشعب مهاجمة صريحة، وكثيراً ما كانوا يخففون من حدة النزاع باتخاذ المصطلحات الدينية القديمة رموزاً أو استعارات لعقائدهم الجديدة، ولم يظهر هذا النزاع سافراً ويصبح مسألة حياة أو موت إلا في فترات متفرقة كما حدث حين وجهت التهم إلى أنكساغوراس، وأسبازيا، وديُجراس الميلوسي Diogaras of Melos ويوربديز، وسقراط. ولكن النزاع رغم خفائه كان موجوداً بحق، وكان تياره يسري في عصر بركليز، وكان من الموضوعات الكبرى التي تشغل الأذهان، كما كان يظهر في صور وأشكال مختلفة قوياً تارةً وضعيفاً تارةً أخرى. وأوضح ما كان يسمع في أحاديث السوفسطائيين المتشككة، وفي آراء دمقريطس المادية، وكانت أصداؤه الخفية تتردد في آراء إسكلس الصالحة التقية، وفي زندقة يوربديز وحتى في أقوال أرسطوفان المحافظ المليئة بالهزل وقلة الاحتشام. وظهرت مرة أخرى قوية في محاكمة سقراط وموته. ذلك هو الموضوع الذي تدور حوله الحياة العقلية لأثينة في عصر بركليز.