ما ذكرناه آنفا هو وجهة النظر الفرنسية. أما على الجانب البروسي فقد كان ما حدث واحدا من أظلم المآسي وأقساها في تاريخها. لقد هرب فريدريك وليم بحكومته وأسرته إلى شرق بروسيا وحاول أن يباشر مهامه من ممل Memel، وأصدر نابليون - من مقر البلاط الملكي في برلين - أوامر لقارة (بأكملها) بفرض الحصار القاري (على البضائع البريطانية) وأخرجت القوات الفرنسية الجيوش البروسية من بولندا، وهزم نابليون الروس في فريدلاند Friedland وصحبته قواته إلى تيلسيت Tilsit حيث عقد سلاما مع إسكندر.
وهنا علم فريدريك وليم الشروط الأخيرة (النهائية) التي بمقتضاها يمكن أن تظل بروسيا كيانا موجودا على الخريطة. لابد أن تتنازل بروسيا لفرنسا عن كل الأراضي البروسية الواقعة غرب نهر الإلب وأن تعيد إلى بولندا كل أراضيها التي استولت عليها في التقسيمات الثلاثة. ولا بد أن تقبل دفع تعويض حرب بدفع رواتب الجنود الفرنسيين الذين احتلوا بروسيا حتى يصل إجمالي ما تدفعه إلى ١٦٠ مليون فرنك.
وبهذه المعاهدة التي وقعتها بروسيا في ٩ يوليو ١٨٠٧ فقدت ٤٩% من الأراضي التي كانت تحكمها وصار عدد سكانها ٥،٢٥٠،٠٠٠ بعد أن كان ٩٧،٥٠٠،٠٠٠ (المقصود أنها بفقدها المناطق التي تنازلت عنها نتيجة الهزيمة فقدت حكم سكانها، وليس المقصود أن كل هذا النقص ضحايا حرب) وفي الفترة بين ١٨٠٦ و ١٨٠٨ كانت تكاليف القوات الفرنسية والتعويضات تستنفد كل دخل بروسيا. ومع هذا فقد كان هناك بعض الألمان يظنون - وهم يرون الدمار الذي حاق ببروسيا - أنها لن تقوم لها قائمة بعد ذلك ولن تلعب دوراً مهما في التاريخ الألماني.
٧ - بروسيا تنهض من جديد: ١٨٠٧ إلى ١٨١٢ م
هناك نواة صلبة في الطبيعة الألمانية - أكدتها قرون من الحياة الشاقة بين شعوب محاربة وأجنبية - وهي أن الألمان شعب يمكنه تحمل الهزيمة مرفوع الرأس وينتظر الوقت المناسب للرد. وكان هناك آنئذ (الفترة التي نتحدث عنها) رجال على شاكلة شتاين Stein وهاردنبرج Hardenberg وشارنهورست Scharnhorst وجنيشيناو Gneisenau، ولم يتركوا يوما واحدا يمرّ دون أن يكون شغلهم الشاغل هو كيف يتم خلاص بروسيا أو بتعبير آخر