إن قيام الحضارة الإسلامية واضمحلالها لمن الظواهر الكبرى في التاريخ. لقد ظل الإسلام خمسة قرون من عام ٧٠٠ إلى عام ١٢٠٠ يتزعم العالم كله في القوة، والنظام، وبسطة الملك، وجميع الطباع والأخلاق، وفي ارتفاع مستوى الحياة، وفي التشريع الإنساني الرحيم، والتسامح الديني، والآداب، والبحث العلمي، والعلوم، والطب، والفلسفة. وفي العمارة أسلم مكانته الأولى في القرن الثاني عشر إلى الكنائس الكبرى الأوربية، ولم يجد فن النحت القوطي منافساً له في بلاد الإسلام التي كانت تحرم صنع التماثيل. أما الفن الإسلامي فقد أفنى قوته في الزخرفة، وعانى الشيء الكثير من ضيق المدى ووحدة الطراز المملة؛ ولكنه في داخل هذا النطاق الذي فرضه على نفسه لم يفقه حتى الآن فن سواه. وكان الفن والثقافة في بلاد الإسلام أعم وأوسع انتشاراً بين الناس مما كانا في البلاد المسيحية في العصور الوسطى؛ فقد كان الملوك أنفسهم خطاطين، وتجاراً، وكانوا أطباء، وكان في مقدورهم أن يكونوا فلاسفة.
ويغلب على الظن أن البلاد المسيحية كانت متفوقة على بلاد الإسلام من ناحية الآداب الجنسية في خلال تلك القرون، وإن لم يكن لكليهما حظ لمختار. غير لأننا لا يسعنا إلا أن نذكر أن الاقتصار على زوجة واحد في البلاد المسيحية، مهما بلغ من عدم التقيد بهذه العادة من الناحية العملية، فقد أبقى الغريزة الجنسية في نطاق محدود، ورفع منزلة المرأة رفعاً بطيئاً، في حين الإسلام قد أخفى وجه المرأة بالحجاب والقناع. (ولقد أفلحت الكنيسة في تقييد الطلاق، ويبدو أن اللواط لم يبلغ في المسيحية، ومنها إيطاليا في عهد النهضة، ما بلغه من الحرية