للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجاء محمولاً على محفة، فعصبت قدمه الموجوعة ووسدتها، وأتت بأصحابها، ومنهم مدام دسفينييه المتدفقة العاطفة ليساعدنها في الترويح عنه. وعاد إليها ثانية، وكثرت زياراته حتى لغطت بها باريس. ولا علم لنا هل دخلت في هذه الزيارات الألفة الجنسية، ولكنها على أية حال كانت جزءاً صغيراً في علاقة أصبحت تبادلاً بين الأرواح. قالت "لقد أعطاني الفهم، ولكنني أصلحت قلبه (٩٨) ". ولعله ساعدها في روايتها "أميرة كليف" وإن بعدت رقتها وحنانها عن قسوة "أمثاله" بعد السماء عن الأرض.

وبعد أن ماتت مدام دلاروشفوكو أصبحت هذه الصداقة التاريخية ضرباً من الزواج الروحي، وفي الأدب الفرنسي صور كثيرة لهذه المرأة القصيرة الضعيفة الجسد، تجلس في هدوء إلى جوار الفيلسوف العجوز الذي أقعده الألم عن الحركة. قالت مدام دسفينييه "لا شيء يمكن أن يقارن بسحر صداقتهما وثقتها (٩٩) ". وقال بعضهم إن المسيحية تبدأ حيث ينتهي لاروشفوكو (١٠٠)، وقد تبينت صحة القول في هذه الحالة، ولعل مدام دلافاييت الصادقة الورعة أقنعته بأن الدين هو الكفيل بالإجابة عن مشكلات الفلسفة. ولما شعر بدنو أجله طلب إلى الأسقف بوسويه أن يناوله الأسرار المقدسة الأخيرة (١٦٨٠). وقد عمرت صديقته بعده ثلاثة عشر عاماً حافلة بالألم.

[٩ - لابرويير]

١٦٤٥ - ١٦٩٦

بعد موت لاروشفوكو بثمانية أعوام أكد جان دلابرويير تحليله الساخر للآدميين من أهل باريس. وكان جان ابن موظف صغير في الحكومة. درس القانون، واشترى وظيفة حكومية صغيرة، وأصبح معلماً خاصاً لحفيد كونديه العظيم، وخدم أسرة كونديه وصيفاً، وتبعها إلى شانتبي وفرساي. وقد ظل أعزب إلى نهاية حياته.

وقد عذبته حدة الفوارق الطبقية في فرنسا لما فطر عليه من حساسية