وحياء، ولم يستطع الاستعانة بمظاهر الغرور اللطيفة التي ربما كانت تيسر له طريقه بين النبلاء وفي البلاط، وذلك رغم انتمائه إلى الطبقة الوسطى. وقد لاحظ معرض الوحوش الملكي بعين معادية نفاذة، وانتقم منها بوصفها في كتاب صب فيه كل عصارته الفكرية تقريباً، وقد سماه "الأخلاق لتيوفراست مترجمة عن الإغريقية، مع أخلاق أو عادات هذا العصر". وأصبح الكتاب حديث باريس. لأنه صور تحت أقنعة شفافة أشخاصاً مشهورين في المدينة أو البلاط، وجعل كلاً منهم يجد المتعة البالغة في فضح الباقين. ونشرت "مفاتيح" للكتاب تزعم أنها تطابق الصور مع أصولها، وأحتج لابرويير بأن أو أوجه الشبه عارضة، ولكن أحداً لم يصدق، وذاع صيته، ونفدت ثماني طبعات قبل موت المؤلف في ١٦٩٦، وقد أضاف إلى كل طبعة "أخلاقاً" جديدة تبينت فيها باريس مرآة العصر.
ونحن الذين فقدنا اليوم مفتاح متحف الصور هذا تبدو لنا مادته هزيلة بعض الشيء، وأفكاره قديمة مبتذلة، وروحه يشوبها بعض الحسد، وهجاؤه سطحياً جداً، كهجائه لمينالكاس الرجل الشارد الذهن (١٠١). ولا يطلب لابرويير أي تغيير في دين فرنسا أو حكومتها. وقد رأى أن من الخير أن يكون هناك فقراء، وإلا لكان العثور على الخدم عسيراً، ولما وجد أحد يستخرج المعادن أو يفلح الأرض، والخوف من الفقر لا غنى عنه لإنتاج الثروة (١٠٢). وكان يسلك بوسويه في عداد أصدقاءه مفاخراً بذلك، وقد أعاد في القسم الخير من كتابه "في أحرار الفكر" الحجج التي أعرب عنها الواعظ العظيم بحكم أفضل ونثر أرفع، وردد البراهين التي ساقها ديكارت عن الله والخلود، واستشهد بشيء من الحذق، في رده على اللاأدريين في زمانه بنظام السماوات وجلالها، وعلامات الهدف المرسوم في الكائنات الحية، والإحساس بتقرير المصير في الإرادة وباللامادية في الذهن. وهاجم غرور النبلاء، وجشع رجال المال