بدأ قيصر حياته السياسية بأن تحالف مع كاتلين سراً واختتمها بأن أعاد الحياة إلى رومه. ذلك أنه لم يكد يمضي عام واحد على موت صلا حتى قدم للمحاكمة نيوس دلابلا Gnaeus Dolabella أحد العاملين في حركة صلا الرجعية، وكان قرار المحلفين على غير ما يشتهيه قيصر، ولكن العامة هللت له حين هاجم ذلك القرار في خطبة بليغة ردد فيها المبادئ الديمقراطية. نعم إنه لم يكن يضارع شيشرون في تحمسه وفكاهته، أو في جمله الموزونة القوية، أو في حدة لسانه. والحق أن قيصر كان يبغض أسلوب شيشرون "الأسيوي" لأنه اعتاد من أول الأمر ذلك الأسلوب الموجز القوي ذا البساطة الصارمة التي امتازت بها فيما بعد "تعليقاته" على الحربين الغالية والأهلية. على أنه رغم هذا كله لم يلبث أن صار أفصح الفصحاء في رومه إذا استثنينا شيشرون نفسه (٦).
واختير قيصر كوسترا في عام ٦٨، وأرسل للعمل في أسبانيا حيث تولى قيادة الحملات العسكرية التي سيرت لتأديب القبائل الوطنية، فخرب مدنها، ونهب من الأموال ما استطاع أن يوفي به بعض ما عليه من الديون. على أن هذه المدن قد حمدت له في الوقت نفسه أن خفض فوائد قروضها من الماليين الرومان، ولما قدم إلى مدينة جادز وشاهد فيها تمثالاً للإسكندر الأكبر أخذ يلوم نفسه على أنه لم يعمل إلا القليل في مثل السن التي فتح الفتى المقدوني حين بلغها نصف عالم البحر الأبيض المتوسط.
ثم عاد بعدئذ إلى رومه واندفع في الصراع القائم وقتئذ في سبيل المنصب والسلطان. فاختير إيديلا أو مشرفاً على المباني العامة في عام ٦٥، وأنفق أمواله-