لم تكن أرض إيطاليا غنية بمعادنها- وكان لفقرها في هذه المعادن أكبر الأثر في تاريخ إيطاليا الاقتصادي والسياسي؛ فلم يكن في البلاد ذهب قط، وكانت الفضة جد نادرة، وكان فيها قدر لا بأس به من الحديد، كما كان بها بعض النحاس، والرصاص، والقصدير، والخارصين، بكميات قليلة لا تكفي لقيام الصناعات. وكانت جميع المناجم في الإمبراطورية كلها ملكاً للدولة، ولكنها كانت تؤجرها للأفراد يستغلونها استغلالاً مجزياً على أيدي آلاف من العبيد. ولم تتقدم صناعة التعدين أو الفنون الصناعية في البلاد إلا قليلاً؛ ولكن البرنز في ذلك العهد كان لا يزال أكثر استعمالاً من الحديد؛ ولم تكن الآلات الرافعة والدلاء ذات السلاسل التي أقامها أركميدس Archimedes وغيره من العلماء في صقلية ومصر تستخدم إلا في خير المناجم الإيطالية وأحدثها. وكان الخشب أهم أنواع الوقود تقطع له الأشجار كما تقطع أيضاً لاستخدامها في بناء البيوت وصنع السفن والأثاث؛ ومن أجل هذا أخذت الغابات تتناقص مساحتها وتنعدم شيئاً فشيئاً من سفوح الجبال، حتى وصل التقطيع إلى الحد الأعلى الذي لا تنمو فوقه الأشجار. وكانت أروج الصناعات وأكثرها ازدهاراً صناعة الأسلحة والعدد في كمبانيا. ولم يوضح قط نظام للمصانع إذا استثنينا مصانع الأسلحة والفخار، ولم يكن الفخرانيون يصنعون الصحاف وحدها بل كانوا يصنعون معها الآجر، والقرميد، والأنابيب، والقنوات التي تجر الماء إلى البيوت. وكانوا في أريتيوم وغيرها يقلدون النماذج اليونانية ويتعلمون صناعة الآنية الفنية. ولم يحل القرن السادس قبل الميلاد حتى كانت صناعة النسيج قد تخطت المرحلة المنزلية في نقش