وسار دقلديانوس في عمله بنشاط لا يقل عن نشاط قيصر، فأخذ يعيد تنظيم كل فرع من فروع الإدارة الحكومية. وبدل أحوال الأشراف بأن رفع إلى طبقتهم كثيرين من الموظفين المدنيين أو العسكريين، وبأن جعلها طبقة وراثية ذات مراتب مختلفة على النظام الشرقي، وألقاب كثيرة، ومراسم معقدة متعددة. وقسم هو وزملاؤه الإمبراطوريّة إلى ست وتسعين ولاية تتألف منها اثنتان وسبعون أبرشية، وأربع مقاطعات، وعين لكل قسم حاكم مدني وآخر عسكري، وأصبحت الدولة بذلك ذات حكومة مركزية صريحة، ترى أن الاستقلال الذاتي المحلي، وأن الديمقراطية نفسها، ترف لا يصلح إلا لأوقات الأمن والسلم، وتبرر سلطانها المطلق بحاجات الحرب القائمة أو المتوقعة. ودارت رحى الحرب في تلك الأيام فعلاً وأحرزت الدولة فيها انتصارات باهرة؛ فاستعاد قنسطنطيوس بريطانيا التي ثارت عليه، وأوقع جليريوس بالفرس هزيمة منكرة حاسمة أسلموا بعدها أرض النهرين وخمس ولايات وراء نهر دجلة، وصد أعداء رومت عن حدودها جيلاً من الزمان.
وواجه دقلديانوس وأعوانه في زمن السلم المشاكل الناشئة من الانحلال الاقتصادي، فأحل محل قانون العرض والطلب نظاماً اقتصادياً تسيطر عليه الدولة ليتغلب بذلك على الكساد ويمنع نشوب الثورات (٤١). ووضع نظاماً نقدياً سليماً بأن عين للعملة الذهبية وزناً وعياراً محددين، احتفظت بهما الإمبراطوريّة الشرقية حتى عام ١٤٥٣، ووزع الطعام على الفقراء بنص ثمنه في السوق