من قوة هذا النظم فحول عبادة عبقرية الإمبراطور إلى عبادة شخصه بوصفه تجسيداً لجوبتر، وتواضع لكسمليان فرضي أن يكون هو هرقول؛ وهكذا هبطت الحكمة والقوة من السماء لتعيدا النظام والسلم إلى الأرض، واتخذ دقلديانوس لنفسه تاجاً - عصّابة عريضة مرصعة باللآلئ - وأثواباً من الحرير والذهب؛ وأحذية مرصعة بالحجارة الكريمة، وابتعد عن أعين الناس في قصره، وحتم على زائريه أن يمروا بين صفين من خصيان التشريفات والحجاب وأمناء القصر ذوي الألقاب والرتب، وأن يركعوا ويقبلوا أطراف ثيابه. لقد كان في الحق رجلاً يعرف العالم حق المعرفة. وما من شك في أنه كان يضحك في السر من هذه الخرافات والأشكال ولكن عرشه كان يعوزه ما يخلعه الزمان عليه من شرعية، وكان يأمل أن يدعمه وأن يقمع اضطراب العامة وعصيان الجيش بأن يخلع على نفسه مظاهر الألوهية والرهبة. وفي ذلك يقول أورليوس فكتور: "واتخذ لنفسه لقب السيد Dominus، ولكنه كان يسير في الناس سيرة الأب" (٤٠) وكان معنى إقامة هذا الطراز الشرقي من الحكم الاستبدادي على يد ابن عبد رقيق، وهذا الجمع بين الإله والملك في شخص واحد، كان معنى هذا عجز الأنظمة الجمهورية في العهود القديمة، والتخلي عن ثمار معركة مرثون، والعودة إلى مظاهر بلاط الملوك الإكيمنيين، والمصريين، والبطالمة، والبارثيين، والملوك الساسانيين، وإلى النظريات التي كان يقوم عليها حكم هؤلاء الملوك كما عاد الاسكندر إليها من قبل. ومن هذه الملكية الشرقية الصبغة جاء نظام الملكيات البيزنطية والأوربية، وهو النظام الذي طل قائماً إلى أيام الثورة الفرنسية. ولم يبقَ بعد هذا إلا أن يتحالف الملك الشرقي في عاصمة شرقية مع دين شرقي. ولقد بدأت الخواص البيزنطية في الظهور أيام دقلديانوس.