يجب علينا ألا نبالغ في الأهمية الحربية لجان دراك، وربما كان في استطاعة دينوا ولاهير، أن ينقذا أورليان بدونها، فإن خططهما في الهجوم المتهور أحرزت النصر في بعض الوقائع والهزيمة في الأخرى، وكانت إنجلترا تحس تكاليف حرب المائة عام. ولقد وقع فيليب صاحب برجنديا وحليف إنجلترا، معاهدة منفصلة مع فرنسا، بعد أن مل الحرب، وزعزع تخلفه، قبضة الإنجليز على المدن التي غزوها في الجنوب، فتمكنت الواحدة بعد الأخرى من طرد الحاميات الأجنبية عنها. وأجلت باريس، البريطانيين عام ١٤٣٦ بعد أن ظلت محتلة سبع عشرة سنة، وحكم شارل السابع آخر الأمر في عاصمة ملكه.
ومن عجيب ما يروى، أن هذا الرجل الذي لبث طويلاً كالخيال لا حول له ولا قوة، قد تعلم في ذلك الحين أن يحكم ويختار الوزراء الأكفاء، وأن يعيد تنظيم الجيش ويهدئ من ثورة البارونات وأن يفعل كل ما يحقق الحرية لبلاده، فما الذي أحدث هذا التحول؟ لقد حفزه إليه وحي جان، فما كان أضعفه-فيما يبدو-إذ لم يرفع إصبعاً لإنقاذه .. ويروي أن حماته الجديرة بالاحترام، يولاند أميرة أنجو هي التي أعانته بالرأي السديد، وشجعته على استقبال العذراء ومناصرتها. ونحن-إذا صدقنا الرواية-قلنا إنها قدمت لزوج ابنتها الحظية، التي ظلت تتحكم في قلب الملك عشر سنوات.
وكانت انييه سورل-وهذا اسمها-ابنه سيد في تورين. وكانت يتيمة في طفولتها، فنشأتها على الأخلاق الحميدة، إيزابل دوقة لورين. ثم صحبتها، وهي إذ ذاك في الثالثة والعشرين من عمرها، لزيارة البلاط الملكي في شينون عام (١٤٣٢) أي بعد عام واحد من وفاة جان. وفتن شارل بجدائل شعرها الكستنائي، وأغرم بضحكتها، فآثرها لنفسه. ووجدتها يولاند سهلة الانقياد، فرأت أن تصطنعها في التأثير على الملك،