مريداً جديداً يدعى بليز بسكال. فاتجه إليه آرنو وأهاب به قائلاً:"أنت أبها الشاب، لما لا تكتب شيئاً (٢٠)؟ " واعتكف بسكال في حجرته، وكتب أول "رسائله الإقليمية" وهو من عيون الأدب والفلسفة الفرنسيين. وينبغي أن نستمع إلى بسكال في شيء من الإسهاب، لأنه لم يكن أعظم كتاب النثر الفرنسي فحسب، بل ألمع المدافعين عن الدين في عصر العقل بأكمله.
[٤ - بسكال]
١٦٢٣ - ١٦٦٢
أ - بسكال الإنسان
كان أبوه إتيبن بسكال رئيساً لمحكمة المعونين بكلير مون- فيران في وسط فرنسا الجنوبي. وماتت أمه بعد مولده بثلاث سنين، مخلفة فضلاً عنه أختاً أكبر منه تدعى جلنبيرت وأخرى أصغر تدعى جاكلين. وانتقلت الأسرة إلى باريس حين بلغ بليز الثامنة. وكان إتيين يدرس الهندسة والفيزياء، وقد أتاح له تفوقه فيهما أن يصادق جاسندي، وميرسين، وديكارت. وكان بليز يسترق السمع لبعض لقاءاتهم، فأصبح في الفترة الأولى من حياته عاشقاً للعلم. فلما بلغ الحادية عشرة ألف رسالة قصيرة عن أصوات الأجسام المتذبذبة. وخيل للأب أن ولع الصبي بالهندسة سيلحق الأذى بدراساته الأخرى، فحظر عليه حيناً أن يمضي في عكوفه على الرياضيات. ولكن حدث يوماً- فيما روي- أن إتيين وجده يكتب على الحائط بقطعة من الفحم البرهان على أن زوايا المثلث الثلاث تساوي زاويتين قائمتين (٢١)، وبعدها سمح للغلام أن يدرس إقليدس. وقبل أن يبلغ السادسة عشرة كتب بحثاً في القطاعات المخروطية فقد أكثره، ولكن إحدى نظرياته كانت مساهمة خالدة في ذلك العلم، وما زالت تحمل اسمه. وحين عرضت مخطوطة البحث على ديكارت أبى أن يصدق أنه من وضع الابن لا الأب.