ما دام الإنسان يعيش تحت رحمة الجغرافية الطبيعية، فقد كتب عليه أن ينقسم بواسطة الجبال والأنهار والبحار، إلى جماعات تتطور في سبه عزلة، مختلف لغاتها وشرائعها، وملامحها التي تتحكم فيها الظروف المناخية وعاداتها وأزياؤها. ودفع الافتقار إلى الأمن الإنسان إلى الشك في الغريب، فأصبح يره ويختصم الملامح الأجنبية المستهجنة، وطرائق العيش للجماعات الأخرى غير جماعته. وهذا التنوع الأخذ في الأرض-من جبال وأودية وأزقة بحرية ومضايق، وخلجان وغدران-الذي جعل أوربا منظراً جامعاً لمباهج شتى، وقد مزق، سكان قارة صغيرة إلى عشرة من الأقوام، يجترون خلافاتهم، ويحسبون أنفسهم في تراث أحقادهم. وهناك فتنة في هذا الخليط من النشأة المختلفة يستطيع المرء أن يطلب الغوث لعالم من الناس، محصور في أساطير بذاتها وأزياء بأعيانها. ومع ذلك، فإن فوق هذه الخلافات وتحتها .. الخلافات في الزي والعادة والعقيدة واللغة، فقد فرضت الطبيعة والحاجة على الإنسان، وحدة اقتصادية وارتباطاً، ويزداد وضوحها وسلطانها كلما حطم الاختراع والمعرفة الحدود. وتستطيع العين المنصفة الشاملة أن ترى، من النرويج إلى صقلية ومن روسيا إلى أسبانيا، الناس لا يختلفون كثيراً في الزي واللغة، وإنما تراهم مشغولين في مهن متماثلة ومصبوبين في قوالب أخلاقية متشابهة، كالفلاحة والتعدي ونسج الملابس