وسط هذه السخافات التي لا تصدق خطط الملك لكسر الحصار الذي طوق آل هابسبورج فرنسا به-ذلك النطاق الحديدي المؤلف من الأراضي المنخفضة ولكسمبورج، واللورين، وفرانش كونتيه، والنمسا، والممرات الفالتيليه، وسافوي، وإيطاليا، واسبانيا. وزعم صلى في مذكراته أنه أقترح على هنري وجيمس الأول ملك إنجلترا «خطة عظمى» تتحد بمقتضاها فرنسا، وإنجلتره، واسكتلنده، والدنمرك، والسويد، والأقاليم المتحدة (هولنده)، وألمانيا البروتستنتية، والبندقية، ضد الهابوسبرج، وتنتزع أمريكا من أسبانيا، وتحرر ألمانيا من ريقة الإمبراطور، وتطرد الاسبان من الاراضي المنخفضة، ثم يقسم المنتصرون كل أوربا - فيما عدا الروسيا وتركيا وإيطاليا واسبانيا - إلى «جمهورية مسيحية» فدرالية من خمس عشر دولة مستقلة ذاتيا، يتجر بعضها مع البعض دون رسوم جمركية وترفع سياساتها الخارجية إلى مجلس فدرالي مسلح بقوة عسكرية عليا (٣٩). أما هنري فيبدو أن الفكرة الضخمة لم تخطر بباله قط؛ ولعل قصارى ما حلم به أن يمد فرنسا إلى «حدود طبيعية» عند الرين، وجبال الألب، والبرانس، والبحر، وأن يحررها من الخوف من أسبانيا والنمسا. وفي سبيل هذه الأهداف كان يلجأ إلى أي وسيلة متاحة له: فسعى إلى عقد الأحلاف مع الدول البروتستنتية، وساعد الهولنديين في ثورتهم على أسبانيا، ودبر تأييد ثورة يقوم بها المسلمون في بلنسيه، وشجع الترك على مهاجمة النمسا (٤٠).
وأتاح نزاع تافه إشعال شرارة هذا العداء البوربوني-الهابوسبورجي ليصبح حرباً أوربية. ذلك أن الدوق جون وليمن حاكم إمارة ييليش - كليفس-بيرج الثلاثية الصغيرة القريبة من كولونيا، مات في ٢٥ مارس ١٦٠٩ دون أن يعقب. وأدعى الامبراطور رودلف، بوصفه السيد الاقطاعي الأعلى للإمارة، أن له الحق في تعيين كاثوليكي لهذا العرش