لما كان عدد متزايد من أتباع أبيقور قد أخذوا يفسرون أقواله بأنه ينصح الناس بالجري وراء اللذة الجسمية فإن النظرية الأساسية في علم الأخلاق- وهي ما هي الحياة الطيبة؟ - لم يتوصل إلى حلها، بل كل ما في الأمر أنها وضعت في صيغة أخرى وهي: كيف يوفق بين أبيقورية الفرد الفطرية وبين الرواقية التي لا بد منها للجماعة والجنس البشري؟ - وكيف يستطاع أن يوحي إلى أعضاء المجتمع أو أن يرهبوا حتى يسيطروا على أنفسهم أو يضحوا بها لأن هذه التضحية وتلك السيطرة لا غنى عنهما لبقاء المجتمع. ولم يعد في مقدور الدين القديم أن يؤدي هذا الواجب، كما أن الدولة القديمة دولة- المدينة لم تسمُ بالناس إلى حد يجعلهم ينسون أنفسهم. واتجه اليونان المتعلمون إلى الفلسفة يسألونها الجواب، واستدعوا الفلاسفة يطلبون إليهم التضحية أو السلوى في أزمات الحياة، وبحثوا في الفلسفة عن نظرة تكسب الوجود الإنساني معنى خالداً أو حكمة دائمة في نظام الأشياء، وتمكنهم من أن ينظروا إلى الموت الذي هم ملاقوه حتماً بلا رهبة ولا فزع. لقد كانت الرواقية آخر ما بذله الأقدمون الأمجاد من جهد للبحث عن مبدأ خلقي فطري، ولقد حاول زينون مرة أخرى أن يصل إلى الهدف الذي عجز أفلاطون عن الوصول إليهِ.
وكان زينون من أهل سيتبوم إحدى مدائن قبرص؛ وكانت المدينة فينيقية في بعض أحيائها يونانية في أكثرها؛ وكثيراً ما يقال إن زينون فينيقي، ويقال أحياناً إنه مصري؛ والذي لا شك فيه أن أبويه يختلط فيهما الدم الهليني والدم السامي (٤٤). ويصفه أبلونيوس الصوري بأنه نحيل الجسم، طويل القامة،